- الخالدي: للنساء أن تصلي في غرفة منفصلة عن الرجال ولو صلّت في الطابق الثاني للمسجد فلا إشكال فيه مادامت تسمع صوت الإمام
- العتيبي: إقامة فاصل بين النساء والرجال في المسجد بجدار أو غرفة عند وجود الحاجة إليه ليس من البدع بل من باب المصالح المرسلة
إعداد/ ليلي الشافعي
هل فصل النساء عن الرجال في المساجد مخالف لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وتعليماته؟ وهل إذا صلت المرأة في المسجد على صوت الإمام يفرق عن أن تصلي عبر التلفزيون وهي تستمع أيضا لصوت الإمام، وهل تصبح صلاتها جائزة أم لا؟
في البداية، يرى الشيخ د.خالد الخالدي أن صلاة النساء في المسجد في غرفة منفصلة عن الرجال، وكذلك لو كان المسجد عبارة عن دورين، وكان النساء في الطابق الثاني منه، جائز لا إشكال فيه ما دامت المتابعة حاصلة للإمام بسماع صوته عن طريق مكبرات الصوت.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها، وفيه قولها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك»، فلم ير الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلا حال قيامه فقط، وما ذاك إلا لوجود الجدار الحائل بينهم، ومع ذلك صح اقتداؤهم به صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد الإمام البخاري هذا الحديث بعد قوله: «باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، وقال الحسن: لا بأس أن تصلي وبينك وبينه نهر، وقال أبو مجلز: يؤتم بالإمام وإن كان بينهما طريق أو جدار إذا سمع تكبير الإمام وقد قرر الحافظ ابن رجب - رحمه الله - أن مراد البخاري جواز الاقتداء بالإمام مع وجود حائل، ما دام المأموم يسمع التكبير الذي يمكنه من الاقتداء به.
أما الاقتداء بالإمام عن طريق التلفاز، أو أي وسيلة يمكن ان تنقل البث المباشر اقتداء باطل، لا تصح الصلاة معه، ولا يقاس على الحال التي تقدم ذكرها، للفارق بينهما.
والفرق بينهما ظاهر للمتأمل في دلالة كلمة (الجماعة)، والتي بناء على وجودها يصح الاقتداء، وانعدامها يؤدي بدوره لانعدام صحة الاقتداء، والتي تعني لغة وعرفا وشرعا: تجمع الناس للصلاة في مكان واحد، وهذا غير متحقق قطعا في حال الاقتداء بالتلفاز وغيره.
وكل ما ذكر في كتب الفقهاء من شروط لهذا المقام إنما ذكر لضبط ما يحقق هذا المعنى الذي قرر في مدلول كلمة «الجماعة».
وعليه: من أراد أن يصلي في مسجد جماعة فلابد أن يسعى الى المسجد، فإذا اقتدى بالإمام من بيته فلا جماعة له، ولو كان يرى الإمام أو المأمومين.
ليس بدعة
من جهته، قال د.فيصل علوش العتيبي: جاء الإسلام في شأن صلاة النساء والرجال في المساجد بتحقيق المباعدة بينهم ومنع حدوث أي اختلاط قد يحدث، ومما يؤيد هذا: أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم»، وعنها أيضا «ان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن اذا سلمن من المكتوبة، قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال».
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: (وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في تجنب ما قد يفضي الى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت»، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» (رواه مسلم)، قال النووي رحمه الله تعالى: أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك .
وأكد د.العتيبي أن الأحكام إنما شرعت من باب سد ذرائع الفتنة والذرائع تختلف قوة وضعفا من وقت الى آخر ومن مجتمع إلى آخر، ولهذا فإن طرق سدها قد تختلف باختلاف قوة هذه الذرائع وضعفها ومما يشير الى هذا قول عائشة رضي الله عنها: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل (رواه البخاري ومسلم واللفظ له) قال ابن رجب رحمه الله تعالى: تشير عائشة رضي الله عنها الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرخص في بعض ما يرخص فيه، حيث لم يكن في زمنه فساد ثم يطرأ الفساد ويحدث بعده لو أدرك ما حدث بعده لما استمر على الرخصة بل نهى عنه فإنما يأمر بالصلاة وينهى عن الفساد.
وأكد أن عدم وجود حاجز في المسجد بين الرجال والنساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن سبب عدم مشروعية مثل هذا الحاجز وإنما سببه عدم الحاجة إليه، فإذا وجدت الحاجة بعده كان وجوده مشروعا بحسب الحال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلين وليس بينهن وبين الرجال حاجز ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى شيئين: الشيء الأول أنه قال: «بيوتهن خير لهن» مع سلامة الناس في ذلك الوقت، فالصحابة هم خير القرون ومع ذلك قال: «وبيوتهن خير لهن» وهذا يعني ان صلاة المرأة في بيتها أفضل، ثانيا: انه قال «خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، وهذا يدل على ان الأفضل أن تبتعد المرأة عن مخالطة الرجل، هذه واحدة، أما أنه ليس بينهما حاجز، فهل المساجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كمساجدنا اليوم في الإنارة والإضاءة؟ وهل نساء الصحابة كنساء اليوم؟ لا. (لقاء الباب المفتوح 22/218) وبهذا يتبين أن إقامة فاصل بين النساء والرجال في المسجد سواء كان جدارا أو غرفة أو غيره عند وجود الحاجة الداعية اليه ليس من البدع بل هو من باب المصالح المرسلة التي أتى الشرع باعتبارها وعليه فإن صلاة النساء في المسجد في غرفة منفصلة في مكان الرجال وكذلك لو كانت في الطابق الثاني مثلا فلا بأس به وتحصل المتابعة للإمام بسماع صوته عن طريق مكبرات الصوت حتى لو لم يشاهد الإمام.