لماذا تزداد الطاعة في شهر رمضان وبانتهائه تقل الطاعات ونرى جنوح بعض المسلمين نحو التدين المؤقت والمرتبط بالزمان والمكان، خاصة في شهر الطاعات الذي يتجلى في المحافظة على الصلاة في المساجد وقراءة القرآن؟
في البداية، يقول الشيخ يحيى العقيلي: إذا كنا نودع رمضان فإن المؤمن لن يودع الطاعة والعبادة ولن يهجر التقوى والاستقامة بل سيوثق العهد مع ربه ويقوي الصلة مع خالقه ليبقى نبع الخير متدفقا وسبيل الاستقامة متبعا، أما أولئك الذين ينقضون عهد الله ويهجرون المساجد والمصاحف ويتركون الطاعات والقربات ويدعون الاحسان والصلات بعد وداع رمضان فلم يعرفوا لربهم قدره ولا للشهر غايته ولا للإيمان حقيقته.
وأكد العقيلي أن الثبات في الدنيا على الصالحات بشارة للثبات عند الممات (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)، فيا أيها المسلم الذي امتدت يداك في رمضان بالعطاء وأنفقت بسخاء فلا تقبضها بعده.
المداومة على الطاعات
ويقول الشيخ يوسف العنزي: ها قد مرت ليالي هذا الشهر وانقضت أيامه، فمن الناس في هذا الشهر سابق بالخيرات والطاعات، ومنهم مقتصد على الواجبات، ومنهم ظالم لنفسه بالمنهيات، فلئن كان شهر رمضان قد انتهى، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه، قال الله (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) انتبه لعمرك فيما تقضيه، فلا يمكن أن تنصلح خاتمة العبد إلا إذا استمر على طاعة ربه.
فهل ستهجر القرآن بعد تلاوته؟!
وهل ستترك بيت الله بعد عمارته؟!
وهل ستقطع الحبل الذي بينك وبين الله بعد وصله؟!
إن العاقل الفطن الذي يداوم على الطاعة بعد الطاعة، وعلى الحسنة بعد الحسنة، وهي من علامة قبولها، قال ربنا سبحانه (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)
فهنيئا للسابقين إلى الجنان، المداومين على الأعمال الصالحة لنيل رضا الرحمن.
جاء الذم لمن ترك العمل الصالح بعدما عمله، وذم الضلال بعد الهدى، والفساد بعد الصلاح.
قال سبحانه: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) أي: لا تكونوا كالتي تنسج نسيجا ثم بعد هذا الجهد والعناء والتعب تنقضه خيطا خيطا!!
قال النبي ﷺ: «يا عبدالله! لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل» رواه البخاري ومسلم، فالله الله بالأعمال الصالحة، والمواظبة عليها، وإن كانت يسيرة كالمداومة على ورد من القرآن وقيام الليل والصدقة والأذكار والصيام، فقد قال النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» رواه البخاري ومسلم
وفقنا الله وإياكم لكل خير.
ماذا تعلمنا من مدرسة الصيام؟
ويقول الشيخ فهد العجمي: مضى هذا الشهر بما أودعه العباد فيه من أعمال صالحات، وطاعات مباركات، ذهب تعبها ونصبها وبقي أجرها وذخرها والسعيد من يلمح من انقضاء رمضان سرعة انتهاء الأعوام والأعمار.
قال رسول الله ﷺ لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» صححه الحاكم والألباني.
ومتى أراد الله بعبده خيرا جعل له واعظا من نفسه ينبهه إذا غفل، ويذكره إذا نسي، ولذا فإن أقسى حجاب يضرب على القلب حجاب الغفلة، فقد حذرنا الله من الغفلة بقوله: (ولا تكن من الغافلين) وإن أعظم ما يطلب تحقيقه من مدرسة الصيام قيام التقوى في قلب العبد، فيرى أثره عليه طيلة العام، فليس مقصود الصيام نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وترك المحرمات والارتقاء بالنفس إلى سلم الأولياء.
فينبغي على العبد أن يتفطن إلى روح العبادة ولبها، فهذه التي يبقى أثرها على العبد، فإن لم نحافظ على صيام الاثنين والخميس فلا ندع صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنها كصيام الدهر. فإن لم نصم ثلاثة أيام من كل شهر، فلا ندع السنة تمر علينا بلا استراحة للمعدة، فلنا أن نصوم شيئا من السنة وننوي الحمية التي تسمى بالرجيم، فإن كانت أصل النية العبادة،، ثم أتت نية الحمية تبعا لها فهذا أمر جائز ولله الحمد لكن بشرط أن تكون النية الأصلية والأولى هي التقرب إلى الباري جلّ جلاله، ثم إن أردنا الحمية بنية ثانية تابعة فلا يضر ذلك. فما أجمل اجتماع الدين والدنيا في آن واحد في تلك العبادة الجليلة، فأما من ينقطع عن الصلاة والقرآن وسائر الطاعات بعد انقضاء رمضان فهذا وأمثاله قد اشتغلوا بصورة العمل لا بحقيقته ومقصوده.
فيا من أقبل على الطاعة في رمضان لا تحرم نفسك من لذة المناجاة وحلاوة الطاعات بعد رمضان، إذ محل الطاعة في كل زمان، فرمضان مدرسة للنفوس لتعتاد التزام العبادات والطاعات، فالعمل الصالح باقٍ ما بقي الليل والنهار، ولئن انقضى رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
فإن من دلائل التوفيق والتسديد: إتباع الحسنة الحسنة بعدها، فهذا من ثواب الحسنة العاجل، ثم لنعلم - عباد الله - أن المؤمن هو الذي يلازم الطاعة ويألفها في كل أحواله وأوقاته فالخير عادة، والشر لجاجة. رواه وحسنه الألباني. كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ﷺ فيبذل المعروف، ويغيث المحتاج، ويسابق إلى الطاعات، ويبادر إلى القربات، ويحسن في معاملة الخالق وفي معاملة الخلق ومع هذا كله يبتهل إلى ربه جل وعلا طالبا المعونة والتسديد والثبات والتأييد، فهذا حال الكُمّل من المؤمنين الصادقين.