- الطبطبائي: متى انتشرت الرشوة في مجتمع حلّ الدمار والخراب والظلم بين جميع أفراده
- العقيلي: محاربة الفساد تبدأ بغرس القيم الأخلاقية في نفوس النشء والشباب بجميع المؤسسات
- العنزي: النظام الإسلامي يُجرِّم الرشوة في العملية السياسية لأنها شهادة وتزكية وأمانة
تزايدت جرائم الرشوة والاختلاسات، ما يستدعي ضرورة البحث عن سبل حازمة لمواجهة هذه الجرائم حماية لمجتمعنا من آثارها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والأمنية، فماذا يقول العلماء في هذه القضية؟
إبطال للحق
في البداية، يؤكد العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.سيد محمد الطبطبائي أن الرشوة من الكبائر التي انتشرت اليوم بين الموظفين وغيرهم، وعرفها بأنها الهدية او العطية التي يأخذها الموظف بسبب وظيفته، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاء الرشوة او اخذها، فقال: «لعن الله الراشي والمرتشي» وينطلق د.الطبطبائي في استنكاره لهذا السلوك من الناحية الشرعية، فيقول: أما لعن الراشي فلأنه يفسد العمال والموظفين ويستدرجهم الى اخذ ما لا يستحق، وأما لعن الآخذ للمال، وهو المرتشي فلأنه اخذ مالا بغير وجه حق، مبينا ان اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، لذلك عد العلماء اعطاء الرشوة وأخذها من الكبائر التي حرمتها الشريعة الإسلامية. وشدد على منع اي موظف من اخذ الرشوة بأي حال من الأحوال ولو كان راتبه اقل ما يكفيه او يستحقه، مؤكدا: متى انتشرت الرشوة في مجتمع، فقد حل الدمار والخراب والظلم بين افراد المجتمع وازداد الإثم اذا ترتب على اخذ الرشوة ابطال حق او احقاق باطل.
وعن صور الرشوة قال د.الطبطبائي: قد تكون بدفع المال الى الموظف، وقد تكون بصورة معاملة يقوم بإنهائها لهذا الموظف، وقد تكون الرشوة من خلال وعد الموظف بمنصب يمنحه إياه الراشي، مؤكدا ان الرشوة فتنة عظيمة يبتلى بها المؤمن في حياته، وعلى الانسان ان ينتبه إلى أنه محاسب على اعماله وأن الكسب الحلال مهما قل ففيه البركة، ولكن المال الذي يأتى من حرام فإنه منزوع البركة. وشدد بالقول إنه يجب على المرتشي بالإضافة الى التوبة اعادة ما اخذه من رشاوى الى اصحابها وإرجاع الحق الى اصحابه، ومن عجز عن ارجاعها فإنها تبقى في ذمته ويجب ان يؤديها متى ما تيسر عليه.
وبين د.الطبطبائي ان اهم سبب لظهور مشكلة الرشوة في المجتمع هو ضعف الايمان والجهل بأحكام الشريعة الاسلامية، وعدم القناعة بما كتب الله تعالى للإنسان من رزق.
الفساد أنواع
ويقول الشيخ يحيى العقيلي: شريعتنا نهت عن الفساد في الأرض أو تيسير سبله او الإعانة عليه او التحايل لحصوله، قال تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وقال تعالى (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، ولم تدع الشريعة الإسلامية تحديد الفساد وتعريفه مرهونا بأهواء البشر، بل عرفت الفساد وحددت أقسامه وجرمت بواعثه وأغلقت أبوابه، وحددت ما هو محرم من المعاملات تحديدا دقيقا ذُخرت فيه مراجع الفقه الإسلامي، ومرجع ذلك ان الله تعالى هو العليم الخبير (والله يعلم المفسد من المصلح).
وبين العقيلي صور الفساد بقوله: تتعدد صور الإفساد والفساد وتتنوع مداخله وأبوابه، فهناك فساد في الاعتقاد والفكر وفساد في القيم والذمم وفساد في موازين الولاء والبراء، وهناك فساد اقتصادي وآخر إعلامي وفساد سياسي، كما أن الفساد هو استغلال الوظائف العامة للمصالح الخاصة، وهو تضييع الحقوق وتفويت المصالح العامة ومصالح الأمة لمصالح شخصية، والفساد هو عدم الوفاء بالأمانة، وهو استشراء الخيانة، واستحلال الرشوة وفساد الذمم، هو تشويه الحقائق وقلب الموازين وتلبيس الحق بالباطل، وهو الغش بجميع صوره وأشكاله، وهو ظلم للنفس وللمجتمع، مؤكدا أن الفساد أخطر ما يهدد تقدم الأمم وأبشع ما يفكك المبادئ والقيم.
محاربة الفساد
وأكد العقيلي أن محاربة الفساد بكل أنواعه تبدأ بغرس القيم الأخلاقية في نفوس النشء والشباب في مؤسسات التعليم وبين افراد الأسرة والمجتمع بأسره وغرس مفاهيم حب الأمانة وبغض الخيانة ومحبة الصلاح وكراهية الفساد.
والرغبة في الكسب الطيب الحلال والبعد عن الحرام والأخذ بالنزاهة والقناعة، وذلك عبر أجهزة الاعلام وسائر منابر التوجيه، وتعزيز ذلك كله بالقوانين الحازمة الحاسمة التي توصد ابواب الفساد امام المفسدين وتردع من تسول له نفسه بالإفساد، والتعامل بحزم وعدالة مع جميع المفسدين، كما فعل صلى الله عليه وسلم مقررا مبدأ العدالة عند التقاضي والمحاسبة، حين شفع للمرأة المخزومية التي سرقت فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وصدق الله تعالى اذ يقول: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبعوا الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين - هود: 116).
خيانة
وأكد العقيلي أن أكل المال بالباطل محرم ومذموم آكله ومعطيه مهما تعددت صوره وتنوعت اشكاله، وتأتي الرشوة على رأس تلك الآفات والمحرمات، قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون - البقرة: 188). فالرشوة خيانة عند جميع أهل الأرض وهي في دين الله أعظم إثما وأشد مقتا، فالراشي والمرتشي والرائش ملعونون عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، فهم مطرودون من رحمة الله ممحوق كسبهم، زائلة بركتهم، خسروا دينهم وأضاعوا أمانتهم، استسلموا للمطامع، واستعبدتهم الأهواء، وخانوا الأمانة، وغشوا الأمة في نفوس خسيسة وهمم دنيئة.
جريمة
من جهته، يقول د.سعد العنزي: لقد حافظ الإسلام على حقوق الأفراد والجماعات من الضياع بتشريعات وتوجيهات عظيمة، فحرم الكسب الحرام، وحرم مال المسلم وجعله مثل حرمة الدم والعرض لقوله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وحرم الرشوة فقال صلى الله عليه وسلم «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» وأشار د.العنزي الى ان النظام السياسي الاسلامي في اطار الدولة الاسلامية وفي مبدأ الشورى او البرلمان يجرم الرشوة في تلك العملية السياسية، لأنه لا يمكن ان يصل المسلم الى تلك المناصب السياسية عن طريق الحرام، لأنها شهادة وتزكية وأمانة. روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ذكر عند رسول الله الرجل يشهد بشهادة فقال لي: يا ابن عباس: لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس وقال صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال ثلاثا: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فمازال يقولها حتى قلت: لعله يسكت». وزاد: كما أنها في الإسلام من باب الأمانة وتضييعها يعتبر جريمة كبرى.