بيروت - أحمد عز الدين وبولين فاضل
بعد قفز ملف النازحين السوريين في لبنان إلى أولوية الأولويات الأمنية والاجتماعية (يؤوي لبنان نحو مليوني نازح سوري أي ما يعادل اكثر من ثلث عدد سكان لبنان)، وتنامي شكوى جارة لبنان قبرص من هجرة السوريين غير الشرعية إليها بالقوارب عبر الشواطئ اللبنانية، اكتسبت أمس الزيارة المشتركة لكل من رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس (هي الزيارة الثانية له لبيروت في أقل من شهر) ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، أهمية كبرى، لاسيما أنها انتهت إلى رزمة مساعدات مالية للبنان على وقع الاستعدادات لعقد المؤتمر الدولي حول النازحين السوريين في بروكسل في 28 من الشهر الجاري، وهو المؤتمر الثامن من نوعه حول الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان والمنطقة.
وبدأت زيارة «الضيفين الأوروبيين» صباح أمس من السرايا الحكومي، حيث كان في استقبالهما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الباحة الخارجية. ثم كانت خلوة ثلاثية تلاها اجتماع موسع للوفود الرسمية المشاركة ضم عن الجانب اللبناني وزير الخارجية عبدالله بوحبيب ووزير الداخلية بسام المولوي ووزير الدفاع موريس سليم (محسوب على «التيار الوطني الحر» وقاطع طويلا اجتماعات السرايا والحكومة لخلافات مع ميقاتي وقائد الجيش)، وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وفي اللقاء الصحافي الذي تلا اجتماعات السرايا، قال ميقاتي: «إن الواقع الحالي للنازحين السوريين بات أكبر من قدرة لبنان على التحمل، مع ما يترتب من أعباء تضاعف من أزمة لبنان الاقتصادية والمالية وتهالك بناه التحتية».
ونبه إلى أن «الأخطر من ذلك تصاعد النفور بين النازحين السوريين، وبينهم وبين بعض المجتمع اللبناني المضيف نتيجة الجرائم التي ارتفعت وباتت تهدد أمن لبنان واللبنانيين».
وذكر ميقاتي بتحذيره الدائم أمام الأوروبيين من «أن كرة النار المرتبطة بملف النازحين لن تنحصر تداعياتها في لبنان، بل ستمتد إلى أوروبا لتتحول إلى أزمة إقليمية ودولية»، وقال إن «أمن لبنان من أمن دول أوروبا والعكس، ولبنان يرفض أن يتحول إلى وطن بديل». ورأى أن «المطلوب كمرحلة اولى الإقرار أوروبيا ودوليا بأن أغلب المناطق السورية باتت آمنة، ما يسهل عملية إعادة النازحين».
رئيسة المفوضية الأوروبية أعلنت من جهتها عن «حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان ستكون متاحة اعتبارا من السنة الجارية حتى 2027 دعما لأمن لبنان واستقراره». وأكدت «المساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، من خلال تعزيز الخدمات الأساسية ومواكبة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية ودعم الجيش والقوى الأمنية الأخرى».
الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس تحدث بدوره عن «رزمة دعم شاملة للبنان وهي تشمل مساعدة لبرامج دعم متعددة ولدعم مكافحة التهريب وحماية الحدود».
وأشار خريستودوليدس إلى أن قبرص تتفهم بشكل عميق المشاكل التي يواجهها لبنان، قائلا: «إن الأزمة الطويلة الأمد في سورية قد ضخمت العواقب السلبية على لبنان وشعبه، والوضع الحالي ليس مقبولا للبنان وقبرص والاتحاد الأوروبي». ومن السرايا الحكومي، توجه الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية إلى عين التينة حيث كان لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال «إنها أكثر مرة نلمس فيها جدية في ملف النازحين السوريين».
وشكر بري خلال اللقاء لأوروبا مساهمتها ومشاركتها في إطار قوات «اليونيفيل» في البر والبحر، وشدد أمام ضيفيه على «أن لبنان لا يريد الحرب. وهو منذ لحظة بدء العدوان عليه لا يزال ملتزما بقواعد الاشتباك التي تتمادى إسرائيل في خرقها مستهدفة عمق لبنان وقراه وبلداته الحدودية الجنوبية».
وأكد بري أن لبنان «ينتظر نجاح المساعي الدولية لوقف العدوان على قطاع غزة، والذي سينعكس حتما على لبنان والمنطقة، وسيكون عندها جاهزا لمتابعة المباحثات حول تطبيق القرار الأممي رقم 1701، الذي كان لبنان ولا يزال ملتزما ومتمسكا به».
وحول النازحين السوريين، اعتبر بري «أن اللقاء كان عمليا بامتياز»، واقترح تشكيل لجنة بين لبنان والاتحاد الأوروبي لمتابعة الزيارة والاجتماعات التي واكبتها، وقد لاقى الاقتراح ترحيبا من رئيسة المفوضية الأوروبية.
وعلى صعيد الاتصالات لتكريس التهدئة على الحدود، أشاعت الديبلوماسية الفرنسية أجواء إيجابية لجهة إجراء مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل حول الحدود.
وقال مصدر مطلع لـ «الأنباء» إن إسرائيل أبدت خلال الاتصالات مع الفرنسيين والأميركيين استعدادها للقبول بتراجع «حزب الله» 10 كيلومترات عن الحدود بدلا من 20 كيلومترا.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية ان حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على العرض الفرنسي بإجراء مفاوضات غير مباشرة في باريس مع لبنان حول ترتيبات الحدود.
في المقابل، أكدت المصادر أن «حزب الله» أبدى كل إيجابية بشأن ورقة التهدئة الفرنسية، وانه سيضع ملاحظاته عليها مع تمسكه بوجود طرف عربي يشارك الفرنسيين والأميركيين برعاية المفاوضات. ويشدد «الحزب» على ان تنفيذ اي اتفاق يكون بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وهذا الأمر الذي نقله الجانب الأميركي إلى حكومة نتنياهو.
وفي شأن الاستحقاق الرئاسي ترى معظم القوى السياسية اللبنانية انه ينتظر التهدئة على الحدود، والتوصل إلى اتفاق بشأن غزة. غير ان الديبلوماسية الفرنسية تكرر دوما للمسؤولين اللبنانيين وجوب انتخاب رئيس الجمهورية قبل البحث في حل إقليمي، لاعتبارها أن غياب رئيس الجمهورية ينعكس شللا على القرار اللبناني، وتغييبا لمشاركة فعالة او المساهمة في اتخاذ القرار، وبالتالي قد تكون الحلول على حساب لبنان.