بيروت - ناجي شربل
يمضي سليمان فرنجية في سعيه إلى الوصول لكرسي الرئاسة في قصر بعبدا، ليكون الأول الذي يدون اسمه في سجل لائحة رؤساء الجمهورية في لبنان، منذ قيام دولة لبنان الكبير (1920) واعلان الدستور في 1925، يدون هذا الاسم مرتين في سجلات الرئاسة، بعد ولاية جده سليمان قبلان فرنجية (1970 - 1976)، والثاني بعد عائلة الجميل بعد الرئيسين بشير وأمين الجميل (1982 - 1988، علما ان بشيرا اغتيل قبل تسلمه ولايته الدستورية، يدون اسم العائلة مرتين في السجلات الرئاسية.
يواكب الرجل فريق عمل يتوزع طواقمه متابعة ملفات عدة. وزراء سابقون من «تيار المردة» مثل روني عريجي ويوسف سعادة ويوسف فنيانوس، وحاليون بينهم وزير الاعلام زياد مكاري. فيما يتحرك ابنه البكر النائب طوني بدينامية. ويتولى «الزعيم الشمالي» (لقب لازم جده وانتقل اليه) التواصل في أمكنة معينة خصوصا مع قيادة «الثنائي الشيعي»: الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله. ولم يتردد في مد جسور مع منافسه على كرسي الرئاسة قائد الجيش العماد جوزف عون. مشى في تمديد ولاية الأخير في قيادة الجيش، ولبى دعوته إلى عشاء.
يدرك فرنجية ان الخروج من لقب «الزعيم الشمالي (الزغرتاوي)» إلى صفة «فخامة الرئيس»، دونه مخاض عسير وعنوانه «فارق الصوت الواحد»، في تكرار لتجربة وصول جده إلى الرئاسة بفارق صوت واحد عن منافسه حاكم مصرف لبنان الياس سركيس في انتخابات 1970.
فارق الصوت الواحد، اي الرقم 65 في دورة الاقتراع الثانية، هو الرقم الذي أصابه الرئيس نبيه بري في انتخابات رئاسة مجلس النواب الأخيرة، بعد انتخاب برلمان 2022، وقد فاز بري من الدورة الأولى، فيما احتاج نائبه الياس بو صعب إلى دورتي اقتراع لبلوغ عتبة الـ 65.
رقم مضمون، لكن دونه الوصول إلى دورة ثانية لا تتبدل فيها خيارات النواب، بالاقتراع إلى مرشح «الخيار الثالث».
ينتظر ولا يتعب من ثقل الوقت. رهانه على التطورات الاقليمية، وانتصار المحور الذي يدعمه. والأمر الأخير بات صعب التحقيق في ضوء التطورات العسكرية في غزة.
يتذكر انتظار العماد ميشال عون في فترة الشغور الرئاسي السابقة التي تلت نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو 2014. وكان عون يعول على استعادة الجيش السوري لمدينة حلب، ثم فتح الطريق السريع اليها، للشروع في اتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
عمل عون على جذب كتلة مسيحية وازنة تؤيده. وتحقق له ذلك في انجاز «اتفاق معراب» مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع.
زيارة واحدة من عون إلى تلة معراب في كسروان منتصف يناير 2016، أوصلته إلى الطريق الرئيسية لقصر بعبدا في 31 أكتوبر من العام نفسه.
يتطلع فرنجية إلى تجاوز المقاطعة المسيحية الكبرى له من كتلتي «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) و«تكتل لبنان القوي» (التيار الوطني الحر). ينتظر مساعي «حزب الله» مع رئيس التيار النائب جبران باسيل، على رغم مجاهرة الأخير مرارا برفض الاقتراع لفرنجية. الا ان الأمر يزداد صعوبة لجهة إحداث تغيير في موقف الكتلتين اللتين تزدادان تصلبا في رفض «رئاسة فرنجية».
في مكان آخر، أحدث خرقا مع الزعيم وليد جنبلاط، أسفر عن إعلان الأخير عدم ممانعته الاقتراع لفرنجية. أصوات جبنلاط تعبد الطريق للوصول إلى الرقم 65، لكنها تحتاج إلى تعزيز من «البيت المسيحي الداخلي».
في نهاية 2015 وبداية 2016، فتحت الطريق واسعة أمام فرنجية للانتقال إلى قصر بعبدا، بعد اتفاق باريس مع الرئيس سعد الحريري برعاية فرنسية. الا ان أحد طرفي الثنائي الشيعي، «حزب الله»، التزم الوقوف إلى جانب العماد ميشال عون، واستمهال فرنجية في طموحه الرئاسي. ويقف الحزب الآن بقوة إلى جانب فرنجية، في التزام مماثل للذي فعله مع عون.
في دوائر المقربين من فرنجية والحلفاء من الكتل السياسية، كلام عن «رجال العهد الجديد»، وتوزيع وظائف الفئة الأولى، وبينها قادة الأجهزة الأمنية وحاكم مصرف لبنان ومدعي عام التمييز، إلى تلك الخدماتية التي تتطلع الكتل النيابية الناخبة إلى نيلها.
حديث عن عهد وشيك، ينتظر توقيتا ما، إقليميا تحديدا لبلوغ ساعة الصفر. الا ان تجارب فرنجية السابقة في الاستحقاقات الرئاسية تجعله يتريث، ويميل إلى شعار الرئيس نبيه بري: «لا تقول فول الا ما يصير بالمكيول».
يستعيد «البيك» الزغرتاوي تجاربه مع نهاية ولاية الرئيس الياس الهراوي الممددة، ثم الولاية الاولى قبل التمديد للرئيس اميل لحود، والشغور الرئاسي الذي انتهى بدخول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية، بعد مرة أولى في 1988 رئيسا لحكومة انتقالية عسكرية.
لا يتعب فرنجية من الانتظار، وهو الذي رسم رئاسة الجمهورية سقفا لعمله السياسي. وحتى كتابة هذه السطور يواصل خطاه بثبات للسير على طريق القصر.
ولا يختلف اثنان على ان الرجل قادر على إحداث فارق في الوضع المزري للبلاد، وإعطاء دفع وبث إيجابية تواكب انطلاق عهد رئاسي جديد. ولا يختلف أحد على ثباته على قرار لبناني صرف، عملا بشعار جده: وطني دائما على حق.
الا ان الحسابات والتسويات الاقليمية قد تحمل مرشحا ثالثا من فئة «الخيار الثالث»، تتقاطع عليه الأطراف في الخارج والداخل، فيؤجل الطموح الرئاسي لـ «الزعيم الزغرتاوي» إلى حين.