وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شرطا جديدا من شأنه أن يعقد فرص استئناف مفاوضات الهدنة في قطاع غزة المعلقة منذ الأسبوع الماضي، في وقت تمضي قواته في عملياتها بشمال وجنوب القطاع.
وقال نتنياهو إن حكومته «مصممة على الانتصار المطلق وستضرب بكل قوة، ولن تدخر جهدا لإعادة المحتجزين في قطاع غزة.» واشترط رئيس الحكومة الاسرائيلية «القضاء على حركة حماس أولا وقبل الحديث عن اليوم التالي من الحرب».
ومن شأن ذلك ان يعقد المباحثات بوساطة واشنطن والدوحة والقاهرة، والهادفة إلى إرساء هدنة في القطاع تشمل إطلاق الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين. وكانت الحركة أعلنت أنها وافقت على مقترح من الوسطاء بشأن الهدنة، لكن إسرائيل رأت أنه «بعيد كل البعد عن مطالبها». واتهمت حماس نتنياهو بـ «الانقلاب» على مسار المباحثات. وأكدت أنها «أبدت في كل مراحل مباحثات وقف العدوان المرونة اللازمة للمضي باتجاه إنجاز اتفاق».
ذكرى النكبة
وفي هذه الأثناء ألغت اسرائيل جزءا من احتفالاتها بذكرى إعلان قيامها في 14 مايو 1948، فيما يستعيد الفلسطينيون مرارة 76 عاما من النكبة التي تصادف يوم 15 مايو 1948 والتهجير القسري الذي طال مئات الآلاف منهم على يد العصابات الصهيونية. وأعادت الحرب الراهنة إلى ذاكرة لاجئين فلسطينيين مسنين تحدثت إليهم وكالة الأنباء الفرنسية خلال الأشهر الماضية، مرارة العنف والتهجير الذي خبروه قبل سبعة عقود.
ورأى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل أيام أن أي تهجير جديد لسكان غزة إلى «خارج فلسطين... يعني نكبة جديدة»، محذرا من أن الهجوم على رفح سيكون «أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني».
إلى ذلك، حذرت وزارة الصحة التابعة لحماس أمس من انهيار المنظومة الصحية في القطاع خلال «ساعات» بسبب شح الوقود في ظل تقييد إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
وقالت الوزارة في بيان مقتضب «ساعات قليلة تفصلنا عن انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة نتيجة عدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات وسيارات الإسعاف ونقل الموظفين».
كل هذه التطورات تزامنت مع استمرار تعرض قطاع غزة لضربات إسرائيلية مكثفة.
وشنت اسرائيل غارات في مناطق مختلفة من القطاع حيث تؤكد الأمم المتحدة أنه لم يعد ثمة مكان «آمن» للسكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، والمهددين بالمجاعة.
واستهدفت الغارات الجوية خصوصا مدينة رفح التي تؤوي أكثر من مليون ونصف المليون مدني اغلبهم نازحون يشكلون اكثر من نصف سكان القطاع.
وكثفت إسرائيل القصف الجوي والبري على المناطق الشرقية من المدينة خصوصا. وسقط قتلى في ضربة جوية على منزل في حي البرازيل.
وقال سكان إن الدبابات الإسرائيلية قطعت طريق صلاح الدين الذي يقسم الجزء الشرقي من المدينة، ولا يزال الجزء الشرقي من رفح «مدينة أشباح».
وواصل مئات الآلاف من الفلسطينيين الفرار من مناطق رفح بشتى الوسائل المتوافرة: سيرا أو بمركبات وعلى متن دراجات أو عربات تجرها الدواب، في محاولة لإيجاد ملجأ في أماكن أخرى من القطاع الذي استحالت معظم مناطقه ركاما جراء الحرب الأطول في تاريخ الصراع.
وقال محمد حمد (24 عاما) لوكالة فرانس برس «عشنا الجحيم خلال ثلاثة أيام وأسوأ الليالي منذ بداية الحرب».
في غضون ذلك، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها استهدفت أمس الأول «جنود وآليات العدو» قرب معبر رفح.
وكتب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني على منصة إكس «السلطات الإسرائيلية تواصل إصدار أوامر التهجير القسري (...) هذا يجبر سكان رفح على الفرار إلى أي مكان»، مضيفا «الحديث عن مناطق آمنة كاذب ومضلل. لا يوجد مكان آمن في غزة».
العودة إلى الشمال
وفي شمال القطاع، قال سكان ووسائل إعلام تابعة لحركة حماس إن دبابات إسرائيلية توغلت تحت غطاء نيران كثيفة من الجو والبر في جباليا التي سبق ان انسحب منها. وحاولت الدبابات التقدم باتجاه وسط المخيم، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في غزة. وقال سكان إن قذائف الدبابات تسقط في وسط المخيم وإن الضربات الجوية دمرت عددا من المنازل.
ومرة أخرى، اضطر الآلاف من سكان غزة إلى الهرب تحت القصف من شمال القطاع ووسطه بعد دعوات الجيش الإسرائيلي إلى إخلائه، بزعم أن حركة حماس تعيد تنظيم صفوفها في هذه المناطق.
وتقول أم عدي نصار بعد وصولها إلى مدينة غزة قادمة من مخيم جباليا للاجئين «ألقى الجيش مناشير وبعث رسالة على الجوال للتحذير من بقاء أحد في جباليا».
وتضيف نصار «ليست هذه المرة الأولى التي ننزح فيها. كلما حاولنا العودة والاستقرار، تحدث عملية اجتياح ويقصف الجيش المنازل بالطائرات والدبابات ويقتل الناس». وبحسب وكالة (أونروا)، فر نحو 64 ألف شخص من جباليا وبيت لاهيا منذ تجدد القتال في الجزء الشمالي من القطاع.
وقالت «أونروا» لوكالة فرانس برس إن البعض يتجهون إلى ملاجئ المنظمة الأممية في شمال غزة رغم تعرض العديد من تلك المرافق للقصف الإسرائيلي.
ونقلت قناة «الحرة» عن مدير إسعاف الخدمات الطبية في شمال غزة قوله: «انتشلنا أكثر من 20 جثة وعشرات المصابين في مخيم جباليا».