دارت عجلة المداولات السياسية لرسم مستقبل المشهد السياسي في فرنسا خلال المرحلة المقبلة بعد إعلان النتائج الرسمية للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي تصدرها تحالف اليسار، بينما رفض الرئيس إيمانويل ماكرون قبول استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال، فيما حذر وزير المالية من خطر «أزمة مالية وتراجع اقتصادي».
وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس ماكرون طلب من رئيس الوزراء أتال البقاء في منصبه «في الوقت الراهن لضمان استقرار البلاد»، رافضا استقالته. وأضافت الرئاسة الفرنسية في بيان أمس أن ماكرون «شكر (أتال) على قيادته حملتي الانتخابات الأوروبية والتشريعية».
من جانبه، حذر وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير من خطر «أزمة مالية» و«تراجع اقتصادي» يطرحه «المعطى السياسي الجديد»، وقال لومير في حسابه على منصة «إكس» إن «تطبيق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة» اليسارية التي تصدرت الانتخابات «سيقضي على نتائج السياسة التي طبقناها في السنوات السبع الأخيرة».
جاء ذلك، بعدما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية النتائج النهائية للجولة الثانية للانتخابات التشريعية، حيث فاز تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) الذي يضم أحزاب: (فرنسا الأبية) و(الخضر) و(الاشتراكي) و(الشيوعي الفرنسي) بـ 182 مقعدا من أصل 577 مقعدا في الجمعية الوطنية.
وجاء تحالف الرئيس ماكرون (معا) في المركز الثاني بحصوله على 168 مقعدا، فيما جاء حزب (التجمع الوطني) اليميني وحلفاؤه في المركز الثالث بحصده 143 مقعدا فقط بعدما احتل المركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات.
وبهذه النتائج لم يحصل أي من الأطراف السياسية الرئيسية الثلاثة «اليمين» و«اليسار» و«المعسكر الرئاسي» على الأغلبية المطلقة في البرلمان البالغة 289 نائبا، ومن ثم بدأت أمس المداولات السياسية الهادفة إلى بناء غالبية مجهولة المعالم حتى الآن واقتراح رئيس جديد للوزراء على الرئيس ماكرون.
ويعاني الجبهة الشعبية الجديدة الذي اصبح القوة الأولى في الجمعية الوطنية من الهشاشة وبعض التوترات الداخلية. فقد دعت النائبة عن حزب «فرنسا الأبية» كليمانتين أوتان نواب الجبهة إلى اقتراح مرشح لرئاسة الوزراء «لا يكون الرئيس السابق فرنسوا هولاند ولا زعيم الحزب جان لوك ميلانشون».
وتمنت كليمانتين أوتان أن «تكون الجبهة الشعبية الجديدة على تنوعها، قادرة على القول إنها قبة الميزان التي تسمح بالحكم». أما النائب فرنسوا روفان الذي انفصل نهائيا عن حزب فرنسا الأبية، فدعا من جهته إلى الحكم «بلطف»، في انتقاد مبطن لميلانشون الذي سبق ان ترشح ثلاث مرات للانتخابات الرئاسية.
وفي هذا الصدد، تشير كريستيل كرابليه من معهد «بي. في. ايه» لاستطلاعات الرأي إلى «عدد من نقاط عدم اليقين. هل هناك هيمنة لفرنسا الأبية؟ هل هناك إعادة ضبط في صفوف الاشتراكيين؟ من يرغب بالحكم وعلى أساس أي برنامج؟». وعلى صعيد المعسكر الرئاسي، حذر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من أن الغالبية المنتهية ولايتها ستضع «شروطا مسبقة لأي نقاش» سياسي من أجل تشكيل غالبية جديدة ذاكرا العلمانية والبناء الأوروبي ودعم اوكرانيا.
وختم بقوله إن ميلانشون «والبعض من حلفائه لا يمكنهم حكم فرنسا».
من جهتها، قالت مارين لوبن زعيمة التجمع الوطني اليميني إن «نصرنا مؤجل فحسب. المد يرتفع. لم يرتفع بالمستوى الكافي هذه المرة لكنه يستمر بالصعود» مضيفة «لدي خبرة كبيرة تكفي لكي لا أشعر بخيبة أمل بنتيجة ضاعفنا فيها عدد نوابنا».
أما رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا فقد أكد ان الحزب لن يشارك في اي ترتيبات سياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات.
في غضون ذلك، توالت ردود الأفعال الدولية على نتائج الانتخابات الفرنسية، حيث رحب نائب المستشار الألماني روبرت هابيك، بفوز اليسار، لكنه حذر من تحديات قد تواجه باريس وأوروبا والعلاقات الفرنسية ـ الألمانية في المرحلة القادمة.
وقال هابيك: «لا يمكننا أن نعتبر أن الأمر قد انتهى ونغلق هذا الملف... علينا أن نراقب عن كثب ما سيحدث في فرنسا في المستقبل». بدوره، قال «الكرملين» إنه يرى أنه لا توجد لدى باريس إرادة سياسية قوية لاستعادة العلاقات مع موسكو، مضيفا أنه سيتابع عن كثب تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة.