بيروت - جويل رياشي
تصادف اليوم الأول من سبتمبر الذكرى الـ 124 لإعلان ولادة دولة لبنان الكبير، من على درج قصر الصنوبر التاريخي بمنطقة المتحف في العاصمة بيروت، من قبل الجنرال الفرنسي هنري - جوزف غورو، المعين وقتذاك حاكما عسكريا ولاحقا مفوضا ساميا على لبنان وسورية، اللذين أدرجا تحت راية الانتداب الفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حسب تقسيمات اتفاقية سايكس بيكو والتي تم تأييدها لاحقا بقرارات من عصبة الأمم التي صدرت عام 1920.
يومذاك انتهى عهد المتصرفية التي نظمت شؤون لبنان وحدوده الجغرافية في 1860، وكان المتصرف حاكما تركيا. وضمت مدن ساحلية إلى المتصرفية، بينها طرابلس وبيروت (العاصمة لاحقا) وسهل البقاع وجبل عامل.
في مئوية لبنان عام 1920، حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في عام شهد مأساة أدرجت في تاريخ الدولية اللبنانية، تمثلت في انفجار المرفأ في 4 أغسطس 1920، والتي زار بعدها بأيام ماكرون بيروت متفقدا مكان الانفجار، ومستطلعا أحوال الناس في منطقة مار مخايل.
وانتقل ماكرون مباشرة من المطار إلى بلدة الرابية فوق انطلياس، حيث زار السيدة فيروز في منزلها وقلدها وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة فارس، وكان الثالث للفنانة اللبنانية الكبيرة بعد وسامين من الرئيسين الراحلين فرنسوا ميتران (1988) وجاك شيراك (1998).
عاش لبنان 124 سنة ولا يزال، وشهد وضع الدستور الأول في 1926 في عهد الانتداب، ثم الميثاق الشفهي غير المكتوب الذي تزامن مع الاستقلال في 1943، وشكل الدستور اللبناني ونظم آلية الحكم في الدولة حتى 1989، تاريخ توقيع وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف السعودية، والتي باتت الدستور الحالي للبلاد.
ومن دون طوال شرح، يعاني لبنان أزمة مستعصية، بات فيها التعطيل سيد الموقف. والبعض يعزو الأمر إلى انفضاض الشراكة الحقيقية في الدولة، وصولا إلى اتهامات بـ«هيمنة» على قرار البلاد، والإمساك بقرار السلم والحرب من قبل «حزب الله» في الصراع المستعر مع إسرائيل منذ العام 1948.
وقد دفع لبنان أغلى الأثمان في الصراع العربي الإسرائيلي، وشكلت حدوده الجنوبية ساحة مواجهة مفتوحة، وجرد من قراره كدولة مرة أولى لمصلحة «السلاح الفلسطيني» بموجب اتفاقية القاهرة الموقعة بين الدولة اللبنانية ممثلة بقائد الجيش وقتذاك العماد إميل البستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في 3 نوفمبر 1969.
وعانى البلد الصغير البالغة مساحته 10452 كيلومترا مربعا من اجتياحين إسرائيليين في 1978 و1982، وتحرر من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو 2000، الا انه استمر في خوض حروب ضد إسرائيل، اقواها في يوليو 2006، وحاليا منذ إعلان «حزب الله» فتح «جبهة الإسناد» لغزة في الثامن أكتوبر 2023، في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة «حماس» في غلاف غزة.
الا ان أبشع ما مر على البلد كانت الفترة الواقعة بين 13 أبريل 1975 تاريخ اندلاع الحرب الأهلية، وتقسميه مناطقيا، إلى نهايتها في 13 أكتوبر 1990، تاريخ إطاحة القوات العسكرية السورية برئيس الحكومة العسكرية الانتقالية العماد ميشال عون من قصر بعبدا.
عرف لبنان حقبة ذهبية شملت الازدهار بين الاستقلال وجلاء القوات الأجنبية (الفرنسية وقتذاك) عنه في 1946 و1958 تاريخ اندلاع «الثورة» على حكم الرئيس كميل شمعون.
«12 سنة لم تكن كافية لتثبيت جذور وطن»، بحسب عميد «الكتلة الوطنية» ريمون اده (1912 - 2000)، في إشارة منه إلى العمر القصير للدولة الجديدة.
يغرق لبنان اليوم في أزمة تتمثل بخلو سدة رئاسة الجمهورية، وسبق ان اجتازها في 1958 بانتخاب الرئيس اللواء فؤاد شهاب (قائد الجيش) وفي 1989 بانتخاب الرئيس رينيه معوض بعد نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل في سبتمبر 1988، وفي 2008 بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان خلفا للرئيس اميل لحود الذي انتهت ولايته الممددة في 2007، وفي 31 أكتوبر 2016 بانتخاب العماد ميشال عون خلفا للرئيس سليمان المنتهية ولايته في مايو 2014. وحاليا بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 أكتوبر 2022.
والقلق الأبرز من ان يسبق انتخاب الرئيس تعديل دستوري، يخشاه المسيحيون، ويتوجسون خصوصا من دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى حوار، يعتبرونه «عرفا يكرس وصاية على موقع رئاسة الجمهورية».
لا يختلف اثنان على ان البلد لم ينعم بالاستقرار الا فترات قصيرة على مدى 124 سنة. ولكن تبقى فيروز المولودة في 1935 من المسلمات القليلة التي يجتمع عليها أهل البلد.