بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
بدت الأمور تميل إلى التدحرج نحو الأسوأ على الصعيد العسكري في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله»، بعد توسيع الأولى عملياتها وشن ضربات جوية كثيفة على مناطق لبنانية تشهد ثقلا لمناصري «الحزب».
وبات الناس في لبنان مقتنعين بأن أمد الحرب سيطول، قبل التوصل إلى هدنة تسبق وقف إطلاق النار، أو تجعله نافذا في حكم الأمر الواقع، كما حصل في 14 أغسطس 2006، بوقف العمليات الحربية، من دون الإشارة صراحة وبتعبير واضح إلى وقف لإطلاق النار.
وبدا «حزب الله» غير قابل لنقاش حول الفصل بين وقف العمليات القتالية في لبنان، وفصلها عن مطلبه الأساسي بوقف الحرب في غزة، والذي أطلق لأجله «جبهة الإسناد» من الجنوب اللبناني، في الثامن من أكتوبر 2023، في اليوم الثاني لعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة «حماس».
ولم تدم بارقة الأمل التي لاحت بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار ولو لأسابيع، لم تدم بضع ساعات، وسقطت بتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن القبول به، بعدما كان أعطى الضوء الأخضر لقبوله.
وكتعبير عن حالة الصدمة من انقلاب الموقف الإسرائيلي، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: «لقد فعلنا كل ما يمكن أن نقوم به».
وأثار تراجع الموقف الإسرائيلي المفاجئ قلقا دوليا، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «لا نقبل بغزة جديدة، وعلى إسرائيل التوقف عن الغارات، وعلى حزب الله التوقف عن الرد».
بدوره، حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «من تحويل لبنان إلى غزة ثانية»، موجها انتقادات حادة إلى مجلس الأمن الذي «يسجل المشاكل ولا يحلها».
وتحدث مصدر لـ «الأنباء» عن «محاولة الفرصة الأخيرة لإنقاذ المشروع الفرنسي - الأميركي لوضع المسار على سكة الحل، ولو من خلال وقف إطلاق نار مؤقت يمهد لوقف دائم للمعارك، من خلال تأخير موعد إلقاء كلمة نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة 24 ساعة، على أمل أن تنجح المساعي في تليين موقفه».
وتابع المصدر: «ينطلق الموقف الإسرائيلي المتصاعد من غض طرف دولي واسع ولو غير معلن عن هجماته العسكرية، وقد حصل قبل ساعات من موقفه المتشدد على دعم أميركي بقيمه 8.7 مليار دولار، فيما يرى كثيرون أن هذا النهج المتشدد يستند إلى مواقف عدة تعتبر أن إسرائيل في موقف الدفاع، وليس الهجوم ما يشجعها على المزيد من التشدد».
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية وسعت في الساعات الأخيرة من دائرة استهدافاتها، فشنت أكثر من 220 غارة أدت إلى مقتل نحو 100 شخص وإصابة 150 آخرين، إضافة إلى استهداف مسؤول القوة الجوية والمسيرات في «حزب الله» محمد حسين سرور في قلب الضاحية الجنوبية. وترددت معلومات عن أنه كان عاد من اليمن قبل ثلاثة أيام. وكذلك كان قد تم استهدافه بداعي الاغتيال في الهرمل أقصى شمال البقاع، وآخر في الكحالة شرق بيروت.
وكان اللافت ان إسرائيل استخدمت للمرة الأولى صاروخ «R9X» المسمى «ذو 6 سكاكين»، والذي لا يصيب الا المستهدف وحده. وقد أحدث ثقبا في زجاج السيارة امام السائق في الكحالة، دون اصابة أحد من افراد عائلته التي كانت برفقته.
في المقابل، استمر «حزب الله» باعتماد قصف صاروخي مركز وبالوتيرة عينها يوميا، وأطلق دفعات من الصواريخ وصلت إلى صفد وعكا، فضلا عن 50 صاروخا على مستعمرة «كريات انا» وحدها. وأتبعها باستهداف مدينة طبريا مرتين ومستعمرة إيلانيا.
وفي موقف يمكن إدراجه في خانة المحاسبة أكثر منه في خانة الاعتراض، ولا يخرج عن التضامن الوطني في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، صدر عن رئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع، البيان التالي: «هل يستطيع أحد أن يشرح لي ما الذي يمنع الرئيس نبيه بري حتى الآن من دعوة المجلس النيابي للالتئام بشكل طارئ لمناقشة المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني في الوقت الحاضر، خصوصا إذا تذكرنا ان عشرة نواب كانوا قد تقدموا بتاريخ 22/7/2024 بطلب خطي لتعيين موعد جلسة لمناقشة الحكومة بخصوص التدابير الواجب اتخاذها لتجنيب الجنوب ولبنان الحرب؟».
وأضاف: هل يستطيع أحد ان يشرح لي لماذا لا يدعو الرئيس بري فورا إلى جلسة فعلية لا صورية، كما كان يحصل في السابق، لانتخاب رئيس للجمهورية، انطلاقا من المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني في الوقت الحاضر؟
ألا يخدم تعطيل المؤسسات الدستورية في لبنان وفي طليعتها رئاسة الجمهورية أعداء لبنان وخصوصا إسرائيل؟
هل يجوز استمرار معاناة اللبنانيين الذين لا تكفيهم الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، حتى جاءت الحرب التي حذرنا منها مرارا وتكرارا لتهجرهم في قلب وطنهم ويعيشوا مأساة ما بعدها مأساة؟
لم يعد مسموحا ان تبقى الدولة الفعلية مغيبة، وأن نبقى في الواقع المرير الذي نعيشه في السنوات الثلاثين الأخيرة من تاريخنا رأفة بالناس المعذبة والمقهورة.
النائب ميشال معوض، وفي مؤتمر صحافي لكتلة «تجدد» التي تضمه إلى النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، قال: «هذه الحرب ليست حربنا إنما حرب الآخرين على أرضنا، وليست حربا دفاعية ولم يقررها الشعب عبر المؤسسات الدستورية، إنما هي حرب جرنا إليها حزب الله».
وتابع معوض: «هذه الحرب هي لاستثمار أشلاء لبنان واللبنانيين وحتى الفلسطينيين من أجل تحسين شروط إيران».
في هذا الوقت استمرت أزمة النزوح في تشكيل عبء ثقيل تعجز الحكومة اللبنانية عن مواجهته. وأعلن وزير البيئة ناصر ياسين أن عدد النازحين الذين تم تأمين مأوى لهم وصل إلى 77 الف نازح في 565 مركزا، سواء في المدارس أو مراكز رسمية أو مواقع تم وضعها بتصرف النازحين. وقال إن عدد المطلوب تأمين المأوى والمساعدات لهم قد يصل إلى نحو 250 ألفا، خصوصا بعدما وصلت موجات عدة من النازحين من البقاع، إضافة إلى أن أكثر من 90 في المائة من أهل الجنوب قد نزحوا نحو العاصمة، وتوزع الكثير منهم في مختلف المناطق اللبنانية.
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار، «أن بعض مراكز الوزارة تعرضت لإصابات مباشرة، والعمل جار على تلبية حاجات النازحين في كل المناطق».
وأكد أنه «تم تحويل مليون دولار للنازحين من الأقضية الـ7 في الجنوب بهبة صينية»، مشيرا إلى «أنها مساهمة لنحو 10 آلاف عائلة».
كما قال حجار إنه حول «3 ملايين دولار ستوزع نقدا على العائلات الأكثر فقرا»، مؤكدا أنه «نعمل ضمن قدراتنا مع خلية الأزمة والمنظمات الدولية للاستجابة الى حاجات النازحين».
وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي أعلن تعليق الدروس في المدارس والجامعات إلى السابع من أكتوبر، في خطوة يرمي منها إلى تبيان ما ستحمله الأيام، لجهة حصول انفراج من عدمه. انفراج يتيح بدء ومتابعة السنة الدراسية التي كانت انطلقت في عدد من المدارس والجامعات، علما أن غالبية المدارس الرسمية صارت مسكونة من قبل نازحين.