بيروت ـ بولين فاضل
ليلة ليلاء على بيروت كانت ليلة الجمعة، وربما على كل لبنان.. ليلة الجنون والهروب الجماعي في مشهد يصعب تصديقه حتى في الأفلام.
فالناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، كان أمهل سكان بعض الأحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت بضع ساعات للابتعاد أقله 500 متر عن مبان سكنية سيتم استهدافها بدعوى تخزين أسلحة في أسفلها، فهرول البعض وقاد البعض الآخر السيارة وطار بمن فيها إلى أي وجهة، فيما اعتمد آخرون، للنأي عن أماكن الاستهداف، الدراجة الهوائية التي حملت على متنها ثلاثة أشخاص على الأقل.
وعند طلوع ضوء أمس، تبين أن كورنيش عين المريسة ـ المنارة في الواجهة البحرية لبيروت، والذي يبعد نحو 7 كيلومترات عن الضاحية الجنوبية، قد افترشه النازحون لأنه لا ملاذ آخر توافر لهم في تلك اللحظات الحرجة التي كانت تفصلهم بين الموت والحياة.
ولأن لا مرارة تعلو على مرارة النازح المقتلع من منزله. وتحاول كاميرات الإعلام التلفزيوني والرقمي التقاط تعابير وجوههم، فيمانع البعض تصويره ويستسلم البعض الآخر لإلحاح المصورين. أما حين يصل الأمر إلى استصراحهم، فالمهمة تبدو أصعب، إذ يلتزم البعض عبارة «ما بدنا نحكي»، مع إشارة سلبية باليد، مقابل من يتمتم كلمات مختصرة وعمومية، وخصوصا من المسنين من بينهم.
وتقول حاجة مسنة إنها لم تحمل معها سواء دواء ضغط الدم ودواء السكري ودواء الأعصاب، وإنها تركت منزلها عند منتصف الليل برفقة زوجها، فيما يقول رب عائلة كبيرة إنه غادر المنزل مع زوجته وأطفاله الخمسة على عجل، ولم يجلب معه سوى بعض الصعتر والزيت لسد جوع الأولاد.
وفيما حمل آخرون أمتعة وحقائب كانت موضبة وجاهزة قبل الإنذار الإسرائيلي بالإخلاء، لوحظ أن هناك من لم ينس إحضار هرته معه في لحظة الفرار، ولدى سؤاله عن الأمر، اكتفى بالقول «هيدي كمان روح».