بيروت - ناجي شربل وأحمد عزالدين
دخل القيمون على البلاد من مسؤولين رسميين وفعاليات، في سباق مع الوقت لاستيعاب التداعيات في «اليوم التالي» لاغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في غارة إسرائيلية على المقر الرئيسي للحزب بالضاحية الجنوبية يوم الجمعة الماضي، تحت شعار: التضامن اللبناني مطلوب لاجتياز مرحلة شديدة الصعوبة في تاريخ البلد، مع العمل على تلافي انحراف الأمور نحو فتنة داخلية تعمل عليها إسرائيل.
وقد تأكد قسم كبير من اللبنانيين، ان التضامن الوطني كفيل وحده بمساندة لبنان إلى جانب الدعم العربي التاريخي.
ويسعى اللبنانيون إلى معرفة إمكانية وقف الحرب الواسعة على البلاد، ولو ان إسرائيل حددتها باستهداف «حزب الله»، إلا ان لبنان يدفع الثمن، وقد بات عمليا تحت حصار عسكري إسرائيلي، وفقا لاعتراف من الجيش الإسرائيلي نفسه. حصار قد يهدد مقومات الحياة وينال من صمود الناس، عبر التسبب بانقطاع مواد غذائية ومشتقات نفطية ومستلزمات طبية وغيرها، إلى تقليص الحركة في مطار بيروت الدولي، وقصرها على «طيران الشرق الأوسط - الخطوط الجوية اللبنانية» التي تعمل في اتجاه واحد: تأمين سفر المغادرين.
كما يسعى القادة اللبنانيون إلى التعامل مع ما بات أمرا واقعا لجهة توغل بري إسرائيلي، واحتلال أجزاء من البلاد، بعد التحرير الشامل في 25 مايو 2000، واقتصر الخلاف الحدودي مع إسرائيل على بعض النقاط، إلى جزء من مزارع شبعا المتنازع عليها بين السيادتين اللبنانية والسورية تاريخيا، وتلال كفرشوبا.
وإلى التهديد بمصير بلدات لبنانية تتعرض للاستهداف وبعضها قد يقع تحت الاحتلال، تتعرض الحياة الطبيعية في البلاد لتهديد واسع بضربها وشلها وصولا إلى القضاء عليها، من سنة دراسية وتهجير مئات آلاف العائلات. ويطرح السؤال بقوة عن «اليوم التالي» لدى «حزب الله» الذي يعيش أزمة غير مسبوقة منذ قيامه في ثمانينيات القرن الماضي. وفي طليعة الأسئلة: لمن ستؤول الأمانة العامة في الحزب، والتي تولاها مؤقتا نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم؟
في أي حال، وقبل الانتقال إلى أجوبة عن أسئلة كثيرة، تواصل إسرائيل عمليتها العسكرية في أجواء لبنان، وتضرب دون رادع، ولو رمزيا، سلسلة أهداف في مناطق تتوزع بين الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، إلى أهداف متفرقة في جبل لبنان.
ويقر مسؤولون لبنانيون كبار بصعوبة وقف اندفاعة القيادة الإسرائيلية وتحديدا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ويعولون على جهود عربية للتأثير على الموقف الأميركي الكفيل بضبط الإيقاع والعمل على التخفيف من حجم العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وكان الاستهداف الكبير لمقر قيادة «حزب الله» في الضاحية الجنوبية مساء يوم الجمعة الماضي، أعاد خلط الأوراق وفتح الأبواب أمام تغيير التوازنات في المنطقة برمته. والسؤال الذي طرح: لماذا انقلبت كل الأمور فجأة، وكيف كشر «الوحش الإسرائيلي» عن أنيابه؟ وجاء الرد من مصدر ديبلوماسي لـ «الأنباء» بقوله: «ذهب نتنياهو إلى نيويورك فاتحا الباب أمام البحث في احتمال التوصل إلى وقف إطلاق النار من خلال بازار سياسي يحقق له بعض المكاسب، مقابل السير بـ «البيان - النداء» الفرنسي - الأميركي بوقف لإطلاق النار لمدة 3 أسابيع».
وأضاف المصدر: «حصل تطور مفاجئ قلب الوقائع وجعل نتنياهو يستدير بنسبة 360 درجة، ذلك ان رئيس الوزراء الإسرائيلي ولدى وجوده في نيويورك تلقى معلومات مفادها ان قيادة حزب الله في مرمى الطائرات الإسرائيلية، فأعطى الأمر بتنفيذ المهمة دون أي تردد، ودخل القاعة العامة في مبنى الأمم المتحدة ليلقي كلمته أمام الجمعية العامة رافعا من نبرته وسقف التهديدات».
وتابع المصدر: «مع نجاح العملية انتقل نتنياهو إلى الخطوة الثانية، باستكمال أهدافه بتوجيه ضربات قاصمة لبنية الحزب بعد ضرب رأسها. وأمر بتوجيه أعنف الضربات من خلال بنك الأهداف الموجود لدى الاستخبارات الإسرائيلية وخصوصا في الضاحية الجنوبية. ولم تتأخر الطائرات في شن أعنف الغارات التي استهدفت ما قالت انه مخازن أسلحة، وأحدثت دمارا كبيرا، وأجبرت جميع سكان الضاحية على المغادرة، وهذا أمر لم يحصل طوال حرب عام 2006 على مدى 34 يوما».
والواضح ان إسرائيل ماضية في حربها التدميرية خلال الأيام المقبلة مع التهديد بالدخول البري الذي يلقى معارضة قوية من مختلف المراجع الدولية. ويرى البعض ان استمرار هذه الحرب التدميرية قد يحقق الأهداف دون معركة برية اذا توافرت الظروف لاتفاق سياسي.
وفي سياق أمني ميداني، صدر عن قيادة الجيش - مديرية التوجيه بيان أهابت فيه «بالمواطنين إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمس بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخ وطننا، حيث يعمل العدو الإسرائيلي على تنفيذ مخططاته التخريبية وبث الانقسام بين اللبنانيين».
وأكد الاستمرار «في اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة والقيام بواجبها الوطني للحفاظ على السلم الأهلي، وتدعو المواطنين للتجاوب مع هذه التدابير، والعمل بمقتضى الوحدة الوطنية التي تبقى الضمانة الوحيدة للبنان».
بدوره، البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي قال في عظة الأحد الأسبوعية من المقر الصيفي للبطريكية في الديمان بشمال لبنان: «لقد جاء اغتيال السيد حسن نصرالله ليفتح جرحا في قلب اللبنانيين. ودعا «لكي نتساوى جميعا في مشروع دولة لبنان المنشودة، التي نستبدل فيها أسباب الفشل والسقوط بأسباب النجاح معا». واستصرخ اللبنانيين «للدفاع عن لبنان بوجه كل اعتداء، والى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد للبنان مكانه وسط الدول». وطالب المجتمع الدولي «بالعمل الجدي لإيقاف دورة الحرب والقتل والدمار عندنا، تمهيدا لإحلال السلام العادل الذي يضمن حقوق كل شعوب المنطقة ومكوناتها». وقال: «لقد آن الأوان ليدرك جميع اللبنانيين أن ليس لهم من معين ومساند سوى أنفسهم متضامنين متحدين فيما بينهم، ملتزمين إدارة شؤون البيت اللبناني بروح الميثاق الوطني في دولة القانون والمؤسسات».