سورة الفتح سورة عظيمة أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه، فرح بها فرحا عظيما، وقال: «لقد نزلت علي آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا». (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما).
بشارات
بدأت السورة بالبشارة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالفتح المبين ووعده بالمغفرة وإتمام النعمة عليه وهدايته ونصره، وانتشار الاسلام بعد فتح مكة. يقول ابن كثير: المراد بقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) أي بينا ظاهرا هو صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض وتكلم المؤمن مع الكافر وانتشر العلم النافع والايمان، فبدأت السورة بالحديث عن الفتح والوعد والنصر والمغفرة وتكفير السيئات.
وقال الإمام السعدي: (إنا فتحنا لك يا محمد فتحا مبينا يظهر الله فيه دينك وينصرك على عدوك وهو هدنة «الحديبية» التي أمن الناس بسببها بعضهم بعضا، فاتسعت دائرة الدعوة لدين الله وتمكن من يريد الوقوف على حقيقة الاسلام من معرفته فدخل الناس تلك المدة في دين الله أفواجا، ولذلك سماه الله فتحا مبينا أي ظاهرا جليا، فكانت (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) من أحب الآيات الى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
متى نزلت؟
نزلت سورة الفتح عندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته من العمرة بعد أن منعهم المشركون من أداء المناسك، فاشتد ذلك عليهم، فنزلت السورة تخفيفا عنهم ومواساة لهم، وسميت السورة بذلك بسبب الفتح الذي منّ به الله عز وجل على المسلمين بعد صلح الحديبية ومنعهم من العمرة وتحدثت السورة عن الفتح وجبر قلب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والثناء على من حضر بيعة الرضوان.
مناسبة السورة لما قبلها
السورة جاءت بعد سورة محمد ومن أسماء سورة محمد سورة القتال، جاءت سورة الفتح بعدها التي تضمنت البشارة وبيان عظم مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الله. ففي افتتاح السورة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) الفتح وفي خاتمتها قال (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) تحدثت سورة محمد عن القتال وسورة الفتح عن الفتح الذي ترتب على القتال.
(ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) فتحنا لك ذلك الفتح ويسرناه لك ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكبيرة وبما تحملته من المشقات ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على أعدائك ويرشدك طريقا مستقيما من الدين لا عوج فيه وينصرك الله نصرا قويا لا يضعف فيه الإسلام.
الأنبياء معصومون
قال ابن تيمية: الذي عليه سلف الأمة وأئمتها أن الأنبياء إنما هم معصومون من الإقرار على الذنوب وان الله يستدركهم بالتوبة التي يحبها الله (يحب التوابين) وإن كانت حسنات الأبرار سيئات المقربين وان ما صدر منهم من ذلك إنما كان لكمال النهاية بالتوبة لا لنقص البداية بالذنب.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)