بيروت ـ ناجي شربل وأحمد عز الدين
استعاد أهل وسكان العاصمة بيروت أجواء اجتياح إسرائيل الثاني للبنان العام 1982، وتدمير الطائرات الحربية الإسرائيلية مباني وأحياء واسعة في الشطر الغربي من العاصمة، بداعي استهداف رئيس «منظمة التحرير الفلسطينية» ياسر عرفات، ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا عامذاك.
وجاءت الاستعادة مساء الخميس من البسطا والنويري بغارتين إسرائيليتين أسفرتا عن سقوط 22 قتيلا و117 جريحا على الأقل، وعن حصيلة لبنانية رسمية أشارت إلى سقوط 2169 ضحية منذ الثامن من أكتوبر 2023 تاريخ إعلان «حزب الله» فتح «جبهة الإسناد» لغزة، علما ان القسم الأكبر من الضحايا سقط بعد 23 سبتمبر الماضي، تاريخ توسيع إسرائيل الحرب في شكل غير مسبوق عن كل حروبها مع لبنان.
ذريعة الضربة الإسرائيلية الثالثة في بيروت استهداف المسؤول الأمني الأول في «حزب الله» وفيق صفا، الذي أصيب اثنان من أبنائه في تفجيرات «البيجر». والحصيلة غير نهائية في عدد الضحايا، في ضوء مباشرة الجرافات اعتبارا من صباح الجمعة رفع ركام مبنيين سقطا في البسطا، إلى رعب في العاصمة، وتكريس حقيقة ان لا مكان آمنا من الاعتداءات الإسرائيلية في كل لبنان، وكذلك تكريس معادلة ان احدا وخصوصا من المجتمع الدولي غير قادر على لجم الاندفاعة الإسرائيلية في القتل والتدمير، خصوصا ان غارات الخميس شملت مناطق مأهولة في البقاع، في الكرك على المدخل الجنوبي لزحلة ومناطق أخرى، والجنوب.
إسقاط إسرائيل لكل الخطوط الحمر من قصف قلب العاصمة اللبنانية بيروت، إلى استهداف مباشر للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» الخميس والذي تكرر الجمعة، يطرح تساؤلات عدة لجهة الهدف من هذه الاعتداءات وتوقيتها، ويشير بكل وضوح إلى إمعان إسرائيل في تحدي المجتمع الدولي. وهذا ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية عن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب الرئيس الاميركي جو بايدن إنهاء العملية العسكرية في لبنان قبل تصفية «حزب الله».
وفي هذا الوقت تراوح الاتصالات بشأن وقف اطلاق النار مكانها على رغم محاولات بعض المسؤولين الإيحاء ببعض الاجواء الإيجابية.
ونقلت أجواء عين التينة تشاؤما لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة وقف الحرب الإسرائيلية وعدم غرقها في مدى طويل. وقد عبر بري عن ذلك في تصريحات تلفزيونية.
في حين كشف سياسي لبناني رفيع مرشح للعب دور بارز ومتقدم في المرحلة المقبلة لـ«الأنباء»، توقعه «استمرار الحرب الإسرائيلية إلى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأقل (5 نوفمبر)».
وبعيدا من الضربات الإسرائيلية التي تطال غالبية المناطق اللبنانية، ينشغل اللبنانيون في ترتيب شؤون بيتهم الداخلي، من دون إجماع على أمور خلافية كالحرب الإسرائيلية، لجهة اعتبار شريحة واسعة ان «حزب الله» فتح الباب أمام إسرائيل للوصول إلى الاعتداء على لبنان وتدميره، بإصراره على إسناد غزة، ورفع شعار وحدة الساحات.
هذه الشريحة تقودها «القوات اللبنانية» وتسعى إلى ما تسميه «حلا جذريا» يرى البعض ان الوقت غير مناسب لطرحه وتحقيقه. في حين يقف فريق آخر يقوده وليد جنبلاط محذرا من تداعيات «اليوم التالي» للحرب في الداخل، ومكررا عدم الرهان على الخارج، والابتعاد عن منطق «الغالب والمغلوب»، محذرا انه يعود بالبلاد إلى أيام غير محببة في تاريخها.
على ان الفريقين يصران على إنجاز الاستحقاق الرئاسي المؤجل منذ 31 أكتوبر 2022، كل على طريقته بمرشح يراه الأفضل لقيادة البلاد في هذه المرحلة. والاختلاف على «المرشح الرئاسي» لا يعود بالنفع على الاستحقاق، ذلك ان لدى كل من الفريقين القدرة على تعطيل الاستحقاق، في حين ان أفرقاء دوليين في طليعتهم الولايات المتحدة وفرنسا والمجموعة العربية، وآخرون محليون يتقدمهم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، يريدون وصول أي رئيس إلى قصر بعبدا بأي ثمن، ولا يقدمون، وخصوصا الأميركيين ـ بحسب مصدر لبناني رسمي كبير ـ مرشحا على آخر.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمة له اثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء في السرايا أمس، ان «مجلس الوزراء اتخذ قرارا بالطلب من وزارة الخارجية تقديم طلب إلى مجلس الأمن (الدولي) لاتخاذ قرار بوقف فوري لإطلاق النار وتنفيذ القرار 1701».
وقال: «الحل الديبلوماسي مطروح على الطاولة، وحزب الله شريك في الحكومة وموافق على تطبيق الـ1701».
وأوضح ان الحكومة «تجهز الملف اللبناني لمؤتمر باريس في 24 أكتوبر من مختلف النواحي، والأهم أن وقف إطلاق النار ضروري وفوري».
وأكد التمسك «بحقنا وأرضنا، وأكدنا مرارا في المحافل الدولية تمسك لبنان بالقرار 1701»، مشيرا إلى ان «ما يحصل غير مقبول بتاتا».
وشدد على«ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن».
على الجبهة الجنوبية – الحدودية، واصلت إسرائيل حربها التدميرية في محاولة لخرق دفاعات مقاتلي «حزب الله» في البلدات المتاخمة للشريط الحدودي.
ومع استمرار الغارات على بلدات جنوبية، أعلنت الخارجية اللبنانية أن هجوما إسرائيليا جديدا على مقر الكتيبة السريلانكية في القوات الدولية العاملة جنوب لبنان «اليونيفيل» في جنوب لبنان أسفر عن سقوط جرحى، غداة هجوم مماثل أدى لإصابة جنديين إندونيسيين من القبعات الزرق بجروح وأثار تنديدا دوليا.
ونددت الخارجية اللبنانية في بيان «بأشد العبارات الاستهداف الممنهج والمتعمد الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي» للقوات الأممية، مضيفة أن «قصفا استهدف أبراج مراقبة في المقر الرئيسي لليونيفيل في راس الناقورة وفي مقر الكتيبة السريلانكية ما أدى لسقوط عدد من الجرحى في صفوف اليونيفيل».
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية الجمعة أن «قوات العدو أطلقت قذيفة مدفعية مستهدفة المدخل الأساسي لمركز قيادة اليونيفيل في الناقورة ما أدى إلى إلحاق أضرار عند المدخل».
وأفادت أيضا عن «استهدفت دبابة ميركافا معادية أحد أبراج اليونيفيل على الخط العام الذي يربط صور بالناقورة أمام حاجز الجيش اللبناني»، موضحة أن ذلك «أدى إلى إصابة عسكريين من الكتيبة السريلانكية».
واتهمت القوات الأممية الخميس الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار «عمدا» على مواقعها، وذهبت روما إلى حد الإشارة إلى أنها «يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب».
ولم تحمل إطلالة مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف أي جديد يضاف الى كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم سوى، أنها كانت في حضور وسائل الإعلام عند أطراف ضاحية بيروت الجنوبية الممتلئة دماراً.
كلام عفيف كرر ما سبق وقاله قاسم من أن "المعركة مع العدو لا تزال في بداياتها الأولى والعدو لم ير بعد إلا القليل، وأن المقاومة بخير ومخزونها الإستراتيجي بخير".
وأضاف:" إذا شاهدتم بعض جنود العدو داخل القرى، لا تقلقوا ولا تضعف معنوياتكم لأن القرار مسبق عند القيادة ألا تقاتل دفاعاً موضعياً ثابتاً، وإنما دفاعاً مرناً متوافقاً مع متطلبات الجبهة وظروف كل بقعة فيها".
و في إشارة الى الاستحقاق الرئاسي، قال:" بكير كتير الاستثمار السياسي في الداخل، فلا تستعجلوا ولا تحرقوا أصابعكم".
في الشأن الحياتي، مضت المدارس والجامعات في التحضير لعودة حضورية للطلاب اعتبارا من الاثنين المقبل، أو الذي يليه. وقال مصدر تربوي كبير لـ«الأنباء»: «علينا التكيف مع الأوضاع الميدانية، مع الحرص على تأمين السلامة للجميع. لا نستطيع تطيير السنة الدراسية، وكذلك هناك 400 ألف استاذ قد يصبحون مهددين في لقمة عيشهم..».