تعدّ سورة الفتح من المثاني التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه أنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم نزلت عليّ البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وعندما تساءل المسلمون عن نصيبهم من السورة نزل قوله عز وجل: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما).
جنود الله
(هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما)، لله ملك السموات والأرض، ومن هذه الجنود السكينة، فهي جند من جنود الله، كما أن الحب جند من جنود الله (وألقيت عليك محبة مني)، فأنزل الله تعالى الطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله يوم «الحديبية» فسكنت ورسخ اليقين فيها ليزدادوا تصديقا لله واتباعا لرسوله مع تصديقهم واتباعهم. ولله عز وجل جنود السموات والأرض ينصر بهم عباده المؤمنين وكان الله عليما بمصالح خلقه حكيما في تدبيره وصنعه. فكل ما في السموات والأرض جند من جنوده عز وجل، لذلك قال في آخر الآية: (وكان الله عليما حكيما)، أظهر لفظ الجلالة، وقال حكيما: الذي يصدر كل أمر منه عن حكمة، فيكفيك أن تعلم أن الله عليم، وان الله حكيم، عليم بكل شيء، فيكفيك علمه لا علم خلقه، وحكيم لا يشرع أمرا إلا بحكمة، فإذا رجعت في كل أمورك إلى هذين الاسمين تعيشين في السكينة والطمأنينة.
(ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما).
قال تعالى (ليدخل) فعل لم يسم فاعلا، وذلك لتعظيم الفاعل، ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار، ماكثين فيها أبدا، ومحا عنهم السيئات، فلا يعاقبهم عليها.
أهل النفاق
فلما ذكر الله تعالى النعيم وقال خالدين فيها، في المقابل كان هناك أهل النفاق فقال: (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات.... الآية» هؤلاء الذين يظنون بالله شيئا إنه لن ينصر نبيه والمؤمنين معه على أعدائهم ولن يظهر دينه، فعلى هؤلاء تدور دائرة العذاب وكل ما يسوؤهم، وغضب الله عليهم وطردهم من رحمته، وأعد لهم نار جهنم وساءت منزلا يصيرون إليه، الله تعالى ذم المنافقين عندما أساءوا الظن بالله، وأعد لهم جهنم إعدادا من القوي ذي العذاب الشديد.
ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض يؤيد بهم عباده المؤمنين (ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما)، ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض يؤيد بهم عباده المؤمنين، وكان الله عزيزا على خلقه، حكيما في تدبير أمورهم.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)