- مصدر ديبلوماسي لـ «الأنباء»: التطورات المتسارعة في المنطقة تدفع نحو التسوية الكبرى
بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
في سابقة تأخرت، لكنها جاءت في وقتها، مع ما يشهده لبنان من حرب إسرائيلية ضروس تشارف إخراج ثلث مساحة البلاد عن الخدمة وتضعها خارج بقعة الحياة، وتتسبب بمزيد من النزوح، استغرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي، «حديث رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف من أن طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701».
موقف ميقاتي لقي تأييدا شعبيا ورسميا عارما، خصوصا أن اللبنانيين يقفون متضامنين في وجه الهمجية العدوانية الإسرائيلية، ويسعون لإنقاذ البلاد والحفاظ على ما تبقى، لإدراكهم أن الحرب تنال من البلاد ومن مكوناتها، وليس من طائفة معينة، كما يجهد الجانب الإسرائيلي فيما يتخذه من خطوات على الأرض من تهجير ديموغرافي من الجنوب يستهدف الغالبية الشيعية.
وقال ميقاتي: «نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلا فاضحا في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان، علما أننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما إلى لبنان أخيرا بضرورة تفهم الوضع اللبناني، خصوصا أن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار».
وتابع: «ان موضوع التفاوض لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 تتولاه الدولة اللبنانية، ومطلوب من الجميع دعمها في هذا التوجه، لا السعي لفرض وصايات جديدة مرفوضة بكل الاعتبارات الوطنية والسيادية».
ولاحقا طلب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الايرانية في بيروت والاستفسار منه عن حديث رئيس البرلمان الإيراني. كما طالبه إبلاغ القائم بالأعمال الإيراني الموقف اللبناني في هذا الصدد.
بدورها، نقلت قناة «الميادين» المقربة من إيران عن مصدر مقرب من رئيس البرلمان الإيراني قوله: «ما نقل عن قاليباف غير صحيح إطلاقا، وموقفه واضح لجهة التطورات في لبنان، وأكد أن ما تؤيده الحكومة والمقاومة في لبنان بشأن وقف إطلاق النار ستؤيده ايران».
إلى ذلك، استقبل رئيس الحكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في زيارة ثانية لها إلى بيروت، والأولى لمسؤول أوروبي رفيع المستوى منذ توسيع إسرائيل حربها على لبنان اعتبارا من 23 سبتمبر الماضي. وقد تفقدت ميلوني كتيبة بلادها العاملة في القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان «اليونيفيل».
وقال مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء»: «التطورات المتسارعة على الساحتين اللبنانية والإقليمية تدفع نحو التسوية الكبرى التي يراهن عليها الكثير من القوى الإقليمية والدول الكبرى، مع ترجيح لدور عربي أكبر في صياغة بنود التسوية. هذا الدور أصبح مطلوبا أكثر من أي وقت مضى حتى ممن كان يرفضه، ويعمل على إبعاده عن أي مسعى توفيقي ينهي الأزمة المتدحرجة».
وأضاف المصدر: «ستظهر الأيام المقبلة مدى استعداد الأطراف في المنطقة للتوجه نحو تسويه قابلة للحياة أو الذهاب نحو تصعيد الحرب وتوسيعها»، مشيرا إلى «جدية بالسعي لوقفها قبل فوات الأوان».
وتابع المصدر: «هناك من يعتبر انه قد حان وقت التسوية بعد الذي تحقق في الميدان سواء في لبنان أو في غزة. غير أن أوساطا دولية كبرى ترى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عطل التسوية في غزة أكثر من مرة، قد يمارس هوايته في فرض الشروط غير القابلة للتنفيذ، وبالتالي يواصل حملة التدمير في لبنان، مرجحة أن الأمور ستنقلب في نهاية المطاف اذا واصل إدارة الظهر للمساعي الإقليمية والدولية».
ميدانيا، وعلى رغم المعارك العنيفة التي تشهدها المنطقة الحدودية من مواجهات مباشرة، فإن الصورة تبقى غير واضحة ويصعب تحديد خطوط الميدان، وإذا ما كانت إسرائيل قد حققت أي تقدم.
وعلى رغم كل التقارير التي تقول إن إسرائيل لم تحقق أي تقدم صريح وثابت، قال الجيش الإسرائيلي في بيان انه حقق المطلوب في الهجوم على القرى الحدودية، وانه سينتقل إلى المرحلة الثانية من خلال التوجه إلى مناطق أبعد من الحدود. وبرز الاتجاه الإسرائيلي الجديد في سلسلة الغارات العنيفة التي شنتها الطائرات على مناطق صور وبنت جبيل والنبطية في عمق الجنوب، حيث أحدثت دمارا كبيرا مع الاستمرار في تهديد ما تبقى من السكان في الجنوب ودعوتهم إلى المغادرة.
ولم تتوقف إسرائيل عن إخراج المواطنين من منازلهم، بل لاحقتهم إلى أماكن النزوح من خلال التحذيرات والإنذارات باستهداف أماكن إقامتهم المؤقتة ودعوتهم إلى المغادرة بذريعة وجود مسلحين أو مخازن أسلحة. هذا الأمر دفع بمواطنين إلى المغادرة نحو أمكنة جديدة، وأثار بلبلة مع دخول البعض على الخط من خلال توجيه الرسائل وهمية، كما حصل بإخلاء مبنى تتمركز فيه وسائل إعلام دولية في وسط بيروت، وقد اضطرت إلى الإخلاء، ليتبين لاحقا أن الإنذار كاذب أسوة بالكثير من الانذارات المشابهة.
سياسيا، ورغم تراجع فرص انتخاب رئيس للجمهوريه في هذه الأجواء الراهنة، فثمة اتصالات من بعض القوى السياسية التي تحرص على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وتحضير الأرضية لأي خطوة مقبلة عندما تصبح الظروف ملائمة. وفي هذا الاطار كان الاجتماع الذي عقد بين ممثلين عن حزب «الكتائب» و«اللقاء الديموقراطي» وكتله «الاعتدال الوطني».
حياتيا قصد البعض من أبناء الضاحية الجنوبية منازلهم لتفقدها وجلب أغراض منها إلى أماكن نزوحهم. وقال إسماعيل انه بات ليلة واحدة في منزله الكائن على مدخل برج البراجنة خلف محطة الأمانة في الطريق المؤدية من مطار بيروت الدولي إلى دواري شاتيلا والطيونة. وأفاد بأن البعض من السكان يقطنون منازلهم «اذ ضاقت الدنيا بهم، ولا أماكن يتوجهون إليها. وبعض المحال تفتح أبوابها كما محطات الوقود حتى الساعة الثانية بعد الظهر، لتتحول بعدها الضاحية الجنوبية إلى مدينة أشباح».
يتحدر إسماعيل من بلدة علمات الجبلية قضاء جبيل، ونقل عائلته مع بقية أفراد أسرته إلى هناك. وقال لـ «الأنباء»: «تغص البلدة بالنازحين وناهز عدد المقيمين فيها حاليا 13 ألفا توزعوا بين المنازل لدى الأقرباء ومبنيي حسينيتي البلدة في شمالها وجنوبها».
وأفاد بأن عددا من البقالات الصغيرة منتشرة في البلدة، وتشهد حركة لافتة. في حين لا توجد محطة للمحروقات، ومن يريد تعبئة خزان سيارته يتوجه إلى بلدة عنايا شمال علمات، أو بلدة بير الهيت على الطريق المؤدية إلى قرطبا جنوبا.