ليلى الشافعي
أكد د.سيد محمد الطبطبائي أن مفهوم الوطن والمواطنة لا يتعارض مع التشريع الإسلامي، مشددا على ان الإسلام يهذب المواطنة ويرشدها الى خير الأمة. ولفت الى ان الشريعة الإسلامية بينت مفهوم الوطن في الأحكام الفقهية من خلال ابواب متفرقة، مشيرا الى ان الاعتبار السياسي للوطن يختلف باختلاف الأوطان وأحوالها. مفهوم الوطن والمواطنة وعلاقته بالشرع الإسلامي يوضحه د.الطبطبائي في هذا الحوار:
هل اصطلاح الوطن في الشرع يختلف عن معناه اللغوي؟
٭ الوطن في الشرع لا يختلف عن المعنى اللغوي، فهو بمعنى الديار والبلاد التي يعيش فيها الإنسان على سبيل الإقامة المستمرة، يتمتع فيها الفرد بعضوية البلد ويستحق ما ترتبه تلك العضوية من امتيازات وواجبات، فالوطن كل مكان أقام فيه الإنسان لأمر، وقيل: وطنه الأصلي أي: المكان الذي ولد فيه.
وما الموقف الشرعي من المواطنة والوطنية؟
٭ المواطنة بهذا المصطلح المعاصر لا تخالف الشريعة الإسلامية، فهي مشاركة سببها الانتماء لبلد مشترك والتمتع بمميزاته، وكذا الوطنية بالمصطلح المعاصر والتي قوامها حب الوطن، وخدمة مصالح الوطن لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
هل تعتقد أنه تم الانحراف في مفهوم الوطنية؟
٭ المواطنة كما بينا حب الوطن والعمل على تنميته، ولكن قد يكون هناك انحراف في مفهوم الوطنية، وذلك في ثلاثة أمور:
أولا: التعصب للوطنية: إن التعصب للوطنية والشعوبية والتفاخر بها، وازدراء الآخرين على اعتبارها، خصلة مذمومة.
ثانيا: اعتبار الوطنية أساسا في المحبة والبراء: إن المحبة والولاء والبراء لها اعتبارات شرعية وليست اعتبارا وطنيا فحسب، فلا تكون المعاداة على اعتبار الوطنية، وإنما هي رابطة من الروابط كرابطة الجوار.
ثالثا: إلغاء الانتماء للدين: ان يجعل الانتماء للوطنية بديلا عن الأخوة الإسلامية، فالوطن له اعتباره والدين له اعتباره، ولا تعارض بينهما.
وهذا مما كان يحذر منه بعض العلماء من استبدال الرابطة الجنسية أو الوطنية بالرابطة الدينية الإسلامية.
فالناس في موضوع الوطنية على فرق: فريق منعها وحرمها، وفريق أجازها مطلقا، وفريق الوسط أجازها بضوابطها الشرعية، اي: اعتبارها بكل ما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
ما مجالات تشجيع وتعزيز الوطنية؟
٭ هناك عدة مجالات لتشجيع الوطنية في المجتمع، منها: حفظ العادات الوطنية الحميدة، وتشجيع الصناعات الوطنية، وتدوين التاريخ الوطني.
اما العلاقة بين المواطنة والاخوة في الدين، فهناك اربعة اختلافات رئيسية بين الرابطة الوطنية والرابطة الدينية، تتمثل فيما يلي:
ـ أولا: الاخوة في الدين رابطة عقائدية، قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، والمواطنة رابطة انتماء لأرض، قال تعالى (وإلى عاد أخاهم هودا)، قال الفراء: كان اخوهم في النسب لا في الدين، وقيل: اراد به: كان آدميا مثلهم.
ـ ثانيا: الرابطة الوطنية متساوية بين جميع افرادها، اما الرابطة الدينية فلها اعتبار شرع واحكام تختلف بحسب الاعتقاد.
ـ ثالثا: الرابطة الوطنية نطاقها مكاني، ولها حدود، والرابطة العقائدية نطاقها ايماني، وليس لها حدود.
ـ رابعا: الرابطة الوطنية دنيوية، والرابطة الدينية دنيوية وأخروية.
كم مرة ذكر مصطلح الوطن في القرآن الكريم والسنة النبوية؟
٭ لقد ورد ذكر موطن الانسان في القرآن بعبارة الديار، ومنها:
ـ أولا: في قوله تعالى (نتخطف من ارضنا). عن قتادة قوله: (ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا)، قال: ذكر لنا ان ناسا من اهل مكة قالوا: إنا نعلم انك رسول الله، وان الذي تقوله حق، ولكنا لا نستطيع ترك اوطاننا، فأنزل الله هذه الآية.
ـ ثانيا: قال الله تبارك وتعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم). قال البيهقي: فقرن جل ذكره الجلاء عن الوطن بالقتل.
ـ ثالثا: قال تعالى (قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا)، قال البيهقي: فجعل القتال ثأرا للجلاء.
ـ رابعا: قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
ـ خامسا: قال تعالى (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون).
يحتمل وجهين، أحدهما: لو استطعنا فراق اوطاننا وترك ثمارنا، والثاني: لو استطعنا مالا نستمده ونفقة نخرج بها لخرجنا معكم في السفر الذي دعوتم إليه، فتأخروا عنه وهو غزوة تبوك. وذكر الوطن في السنة ان التعبير بالوطن والاوطان كان مألوفا منذ العصر الاول، ويحمل على البلد الذي يقطنه الانسان، ومما ورد في السنة ما يلي:
ـ اولا: عبارة «وطني» على لسان الصحابية قيلة لما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم صخر بن أبي العيلة البجلي الاحمسي ماء لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده اليهم.
كما ورد ذكر الوطن والأوطان عند شراح الحديث، وأن النفوس مجبولة على حبها.
قال ابن بطال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها. وقال إسماعيل، عن حميد، «جدرات».
قوله: «من حبها» يعني: أنها وطنه، وفيها أهله وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان والحنين إليها، وفعل ذلك عليه السلام، وفيه أكرم الأسوة، وأمر أمته بسرعة الرجوع إلى أهلهم عند انقضاء أسفارهم.
ما الذي يؤكد الاعتبار السياسي للمواطنة؟
٭ هناك اعتبار للوطن في المجال السياسي، كما هو ظاهر في ميثاق المدينة، الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وجميع المواطنين من المسلمين وغير المسلمين. فقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم صحيفة، وهو الميثاق الذي بينه وبين المواطنين في المدينة، مهما اختلفت أديانهم، قائمة على العدل والبر، والتعايش السلمي بين طوائف المجتمع، الذي جمعهم المكان الواحد، والنوايا الحسنة.
هل هناك تعارض بين مفهوم الوطن والمواطنة؟
٭ للوطن اعتباره وللدين الحنيف اعتباره دون تعارض بينهما، فلا تعارض مفهوم الوطن والمواطنة مع التشريع الإسلامي، فالإسلام يجذب المواطنة ويرشدها إلى الخير للأمة.متى يكون التغريب عن الوطن عقوبة يعاقب بها الجاني؟
٭ أولا: التغريب للزاني غير المحصن:
قال الشوكاني: التغريب هو نفي الزاني عن محله سنة وإليه ذهب مالك والشافعي وغيرهما. وقد ورد عن زيد بن خالد الجهني ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فأخبروني ان على ابني الرجم، فافتديت منه بوليدة ومائة شاة، ثم اخبرني أهل العلم ان على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم حسبته قال فاقض بيننا بكتاب الله عز وجل، فقال: اما الغنم والوليدة فرد عليك، وأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام، ثم قال لرجل من بني اسلم يقال له انيس: قم يا أنيس فأرسل امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.
ثانيا: النفي من الارض عقوبة.