حين دعا موسى عليه السلام ربه أن يهديه الى طريق النجاة في مسيرة ثماني ليال حتى وصل إلى أرض مدين ولاحت له المدينة. رأى امرأتين تذودان قطيعهما وتدفعانه بعيدا عن الزحام فرق لحالهما وفزع اليهما يسألهما ما شأنكما لا تسقيان مع الناس؟! فأجابتا كما نزل فيهما قوله تعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) (القصص: 22)، مما يبعث الرحمة ورقة القلب. وفي هذا الموقف المشحون بالنبل والأدب ورقة وأنوثة البنتين اللتين تقومان على خدمة الأسرة لراحة الأب جعله يتدبر حياءهما وعفتهما وأدبهما في الحوار مع موسى عليه السلام. لم يطلب أجرا أمام معروف معهما وجلس في ظل شجرة، فقال تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) (القصص: 24). وأختها قالت لأبيها بنص القرآن: (قالت إحداهما يأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فقال الشيخ الكبير لموسى عليه السلام: (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتتمت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين) (القصص: 27). ومضت الأعوام فكان زواج موسى من إحدى ابنتي الكاهن المديني وكان وجوده بعد زمن شعيب النبي العربي على الراجح. وكان لأمانة موسى عليه السلام ولوقته في العمل الأثر العظيم فرشحته الابنة للعمل، ولكن اشتراط الأب الزواج بعد ثماني حجج ليكتمل المهر أي يكون بذل المنفعة بعمله، وكانت الفتاة أكرم زوجة لأكرم من وطئ الأرض في عصره، وكانت نعم الرفيق، ويكفيها أن ذكرتها الآيات القرآنية لتكون من أفضل النساء.