القوة التي ليس معها الله ستُقهر
يقول الله عز وجل مبينا خسة كفار قريش (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام... الآية) من حرمة المسجد الحرام أن المرء كان يطوف وبجانبه قاتل أبيه، فلا يرفع عليه سيفا من حرمة المكان وتعظيم العرب له، لكنه لما جاء أهل الإسلام والصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم تركوا هذه الحرمة وقالوا لن يدخل، قالوا صدوكم عن المسجد الحرام (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ومنعوا الهدي وحبسوه أن يبلغ محل نحره وهو الحرم، فكل الأمور التي قد يقدسها العرب ويأخذون بها حتى وهم كفار خالفها كفار مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولولا رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بين أظهر هؤلاء الكافرين بـ «مكة» يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم خشية أن تطؤوهم بجيشكم فتقتلوهم فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم، لكنا سلطناكم عليهم ليدخل الله في رحمته من يشاء، فيمنّ عليهم بالإيمان بعد الكفر، لو تميز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مشركي مكة وخرجوا من بينهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا شديدا.
قوة اليقين
(وجعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية... الآية)، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنفة أنفة الجاهلين لئلا يقروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذلك امتناعهم أن يكتبوا في صلح «الحديبية» بسم الله الرحمن الرحيم وأبوا أن يكتبوا هذا ما قاضى عليه محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين معه ولزمهم قول «لا إله إلا الله» التي هي أساس كل تقوى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه أحق بكلمة التقوى من المشركين، وكانوا كذلك أهل هذه الكلمة دون المشركين، وكان الله بكل شيء عليما لا يخفى عليه شيء.
رؤيا صادقة
قال عز وجل: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله... الآية)، لقد صدق الله ورسوله محمدا رؤياه التي أراها إياه بالحق أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا تخافون أهل الشرك محلقين رؤوسكم ومقصرين، فعلم الله من الخير والمصلحة «في صرفكم عن مكة عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد» ما لم تعلموا أنتم، فجعل من دون دخولكم «مكة» الذي وعدتم بها فتحا قريبا وهو هدنة الحديبية و«فتح خيبر».
الله ناصر نبيه
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا)، هو الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح ودين الإسلام ليعليه على الملل كلها وحسبك - يا محمد - بالله شاهدا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين.
مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم
(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم... الآية) محمد رسول الله والذين معه على دينه أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم تراهم ركعا سجدا لله في صلاتهم يرجون ربهم أن يتفضل عليهم فيدخلهم الجنة ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة، وهذه صفتهم في التوراة وصفتهم في الانجيل كصفة زرع أخرج ساقة وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك وشدت الزرع فقوى واستوى قائما على سيقانه جميلا منظره، يعجب الزراع ليغيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفار.
وفي هذا دليل على كفر من أبغض الصحابة رضي الله عنهم لأن من غاظه الله بالصحابة فقد وجد في حقه موجب ذلك وهو الكفر.