كثفت القيادة السورية اتصالاتها الديبلوماسية تزامنا مع تعزيز قواتها في الشمال السوري في محاولة لامتصاص التقدم المباغت الذي حققته فصائل المعارضة التي بسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب وأجزاء من شمال محافظة حماة، فضلا عن خروج مدينة حلب بالكامل عن سيطرتها للمرة الأولى منذ بدء الحرب عام 2011، في وقت تصاعدت الدعوات إلى منع التصعيد وتجنب استهداف المدنيين.
ويعقد مجلس الأمن جلسة طارئة اليوم بطلب من سورية لمناقشة الهجوم على حلب. وقالت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) إن حكومة دمشق طلبت عبر مندوبها الدائم في الأمم المتحدة عقد جلسة طارئة وعاجلة لمجلس الأمن لمناقشة الهجوم على الشمال السوري والوضع في حلب. وذكرت ان الطلب لقي دعم كل من الجزائر العضو العربي في مجلس الأمن، وروسيا والصين وغويانا وموزمبيق وسيراليون.
من جهته، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن التصعيد في شمال البلاد هو محاولة لـ«تقسيم المنطقة».
وقال خلال اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، وفق ما أوردت الرئاسة السورية، «ما يحصل من تصعيد إرهابي يعكس أهدافا بعيدة في محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد»، مؤكدا أن «التصعيد لن يزيد سورية وجيشها إلا إصرارا على المزيد من المواجهة».
في المقابل، أكد بزشكيان «الرفض التام لكل محاولات النيل من وحدة واستقرار سورية»، معتبرا أن المساس بوحدتها هو ضرب للمنطقة واستقرارها ووحدة دولها. وشدد على استعداد إيران لتقديم كل أشكال الدعم لسورية.
من جهته، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيراني عباس عراقجي أن الهجوم الواسع الذي تشنه فصائل المعارضة منذ أيام في شمال غرب سورية، ليس «تدخلا أجنبيا».
وفي موقف مغاير لطهران التي تتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء التطورات، قال فيدان «من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سورية على أنها تدخل أجنبي».
واعتبر الوزير التركي أن «غياب الحوار بين النظام والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة»، مضيفا ان «التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أنه يتعين على دمشق التوصل إلى تسوية مع شعبها والمعارضة الشرعية».
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا دعت إلى خفض التصعيد وحماية المدنيين في سورية. وقالت الدول الأربع في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأميركية إن «التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سورية، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254»، في إشارة إلى القرار الأممي لعام 2015 الذي أقر عملية السلام في سورية.
ميدانيا، وفيما أعلنت فصائل المعارضة المنضوية في إطار «إدارة العمليات العسكرية» تحقيق المزيد من التقدم في حلب وحماة، أكدت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في بيان مواصلة استهداف مواقع المعارضة بالتعاون مع القوات الروسية. وكشفت عن ان قواتها قامت بالتحرك على عدة محاور في أرياف حلب وحماة وإدلب للالتفاف على فصائل المعارضة «وطردهم من المناطق التي دخلوها وتأمينها بالكامل وتثبيت نقاط تمركز جديدة للتحضير للهجوم التالي، مع استمرار وصول المزيد من التعزيزات العسكرية إلى محاور الاشتباك». وفي البيان ذاته، أكدت القيادة العامة أن «كل ما يشاع عن سيطرة التنظيمات على مناطق وبلدات وقرى هو عار من الصحة ويندرج ضمن الدعاية الكاذبة». وكانت فصائل «إدارة العمليات» أعلنت، أنها وفي إطار عملية «ردع العدوان»، أحرزت تقدما كبيرا في ريف حماة الشمالي، حيث سيطرت على قرى الشعثة، والطليسية، وجبل شحشبو، إضافة إلى الطريق الدولي حلب - حماة.
بموازاة ذلك، ذكرت «سانا» أن وحدات الجيش «تعمل على تأمين بلدات وقرى طيبة الإمام وحلفايا وقلعة المضيق بريف حماة الشمالي والشمالي الغربي وتثبيت نقاط وحواجز فيها بعد أن قامت بتحريرها».
كما نفت الوكالة نقلا عن مصدر عسكري تقارير أوردتها صفحات إخبارية حول استهداف اجتماع عسكري قيادي في إحدى النقاط بريف حماة الشمالي.
وفي حلب، أعلن مصدر عسكري أن «الطيران الحربي السوري - الروسي المشترك نفذ ضربات مركزة» استهدفت تجمعات للفصائل ومحاور تحركاتهم على أطراف بلدة السفيرة الاستراتيجية التي أعلنت المعارضة السيطرة عليها بريف حلب الشرقي. ونقلت «سانا» عن مصدر عسكري أن الضربات أوقعت «عشرات القتلى والجرحى»، إضافة إلى تدمير عدة عربات وآليات كانت بحوزتهم.
من جهته، أعلن الجيش الوطني السوري المشارك بالهجوم، السيطرة على قرى جديدة بريف حلب، أبرزها إحرص، وجيجان، وحليصة، إضافة إلى بلدة تل رفعت الاستراتيجية في إطار عملية «فجر الحرية». كما أعلن السيطرة على كلية المشاة بريف حلب.
وأفاد الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» بارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين جراء الغارات المتكررة، وأشارت إلى أن 56 مدنيا قتلوا وأصيب 238 آخرون منذ بدء العمليات العسكرية الأخيرة.
بدوره، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان عن «غارات مشتركة نفذها الطيران الروسي والسوري استهدفت مناطق عدة، بينها مدينة إدلب ومخيم للنازحين شمالها»، ما أسفر عن مقتل «11 مدنيا بينهم 5 أطفال وسيدتان وإصابة العشرات بجروح».
إلى ذلك، طالبت قوات سوريا الديموقراطية «قسد» التي تمثل الجناح العسكري للإدارة الذاتية التي اعلنها الأكراد شمال شرق سورية، بإجلاء المدنيين الأكراد من محيط مدينة حلب إلى معاقلها في شمال شرق البلاد، بعد سيطرة فصائل المعارضة على مدينة تل رفعت شمال مدينة حلب.
وقال مظلوم عبدي، قائد ميليشيا «قسد» المدعومة أميركيا، في بيان «نعمل على التواصل مع جميع الجهات الفاعلة في سورية لتأمين حماية شعبنا وإخراجه بأمان من منطقة تل رفعت والشهباء» في ريف حلب الشمالي «باتجاه مناطقنا الآمنة في شمال شرق البلاد».
وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، لكن مع شن أنقرة والفصائل الموالية لها هجوما على منطقة عفرين عام 2018، ثم سيطرتها عليها، تدفقت عشرات آلاف العائلات الكردية إليها.
وقد أعلنت المخابرات التركية مقتل مسؤول في حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» الذي تصنفه أنقرة وواشنطن بأنه إرهابي، في معارك تل رفعت، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الحكومية.
وذكرت الوكالة أنه «مطلوب بالنشرة الحمراء» التي تتضمن المدرجين في قائمة المطلوبين بتهمة الإرهاب.
وتقول أنقرة إن يشار تشكيك مسؤول بارز في وحدات حماية الشعب الكردية «واي بي جي» التي تعتبرها الفرع السوري من «العمال الكردستاني».