جــاءت امــرأة شابـــة وقور لم تتــجاوز العقد الرابع، تعلو وجهها مسحة حزن، يلمع في عينـــيها نذير الخوف والذعر، تخطت الرقاب حتـــى بلغت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فانحـــنت على أذنه تقول بصوت مبحوح تزاحمه الزفرات: إني وجدت صبيا رضيعا بجواره خرقة فيها مائة دينار، فأخذته واستأجرت له مرضعة، وإن أربع نسوة يأتينه، ويقبلنه لا أدري أيتهن أمه؟
فقال لها عمر رضي الله عنه: إذا هن أتينك فأعلميني.
ثم انصرفت المرأة، وعندما جاءت النسوة الأربع أرسلت الى عمر رضي الله عنه، فلما قدم عليهن قال: أيتكن أم هذا الصبي؟
فقالت واحدة منهن: والله ما أحسنت، ولا أجملت يا عمر! تعمد الى امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهتك سترها!
قال عمر رضي الله عنه في حياء: صدقت، ثم قال للمرأة التي عندها الغلام: إذا أتينك فلا تسأليهن عن شيء وأحسني الى صبيهن، ثم انصرف.