- الشطي: المحنة تجعل الدنيا في يد الممتحن لا في قلبه ومع الصبر والرضا بقضاء الله تكفّر الذنوب
- المطيرات: التعلق بالأسباب يضيّع الأجر ويُذهب اليقين ..وكثرة الدعاء تعين على الثبات عند المحن
- الدعيج: كل ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هو في حقيقته رِفعة في درجة المؤمن وزيادة يثوابه
يبتلى الإنسان بالمحن في حياته، ولكن القليل منهم من يعرف أن في كل محنة تصيب المؤمن منحة ربانية تبدأ بتكفير الذنوب والخطايا وتنتهي برفع الدرجات للمؤمن المبتلى، فما حقيقة الابتلاءات والمحن؟ وكيف نحول المحنة إلى منحة وهدية ربانية لتحصيل الفضل فيها ومنها؟
في البداية، يؤكد د.بسام الشطي أن المحن والابتلاءات تجعل الدنيا في يد الممتحن لا في قلبه، حيث يتيقن ان الدنيا لا ثبات بها وهي متقلبة بأهلها، ولا تبقى على حال إلا ما كان لله وحده، وهنا تكون المجاهدة للصعود الى القمم وعدم الرضا بالبقاء في حضيض الدنيا الزائلة الفانية الرخيصة، رغم كل مغرياتها.
وأكد د.الشطي انه مع الصبر على الملحن تكفر الذنوب، فإذا صبر الممتحن على ما اصابه ورضي بقضاء الله عز وجل خرج منها نقيا مأجورا، لقوله صلى الله عليه وسلم «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عن خطاياه»، ويقول الله تعالى (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم).
الاستغفار
من جانبه، لفت د.الشطي الى أن أفضل ما يعين على الثبات عند وقوع المحن والابتلاءات هو ملازمة كتاب الله تعالى وتلاوة آياته تصديقا لقوله جل وعلا عن صفات أهل الإيمان (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض)، بجانب كثرة الاستغفار، لقوله عز وجل (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، مؤكدا ان كثرة الاستغفار تجلب الرحمة من الله تعالى، لقوله في سورة نوح (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أشد الناس بلاء الأنبياء»، وقوله صلى الله عليه وسلم «ويبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه شدة اشتد بلاؤه، وان كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه، فيما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة».
ولفت الى ان المحنة منحة إلهية إذا خالطها العقل المراقب المفكر والمستفيد، ولذلك نجد ان للمحنة وجوها مضيئة لا يعقلها إلا القليل، ممن أنعم الله عليهم بنور البصيرة.
الدعاء
استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د. عادل المطيرات يؤكد أن أفضل ما يثبت المسلم عند المحن والابتلاءات هو اللجوء إلى الله تعالى وحسن التوكل عليه لقوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، بالإضافة إلى بذل الاسباب، مشيرا الى ان بذل السبب لا ينافي حقيقة التوكل، بل هو من التوكل على الله جل وعلا، لكن المهم ألا يتعلق قلب المؤمن بسبب من الأسباب، وإنما يكون التعلق بالمسبب وحده سبحانه.
ويقول د. المطيرات: كما أن المعينات على الثبات عند المحن الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ليقينه الكامل بأن الكون كله لله وانه لا يحدث شيء في الكون على غير مراد الخالق سبحانه، كما ان كل صغيرة وكبيرة في الكون واحداثاتها إنما هي من تدبير الله سبحانه وتعالى وحده، وإن كان المؤمن كما يقول د.المطيرات يستوي عنده الخير والشر في البلاء، مستشهدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن كل أموره له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خير له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن» رواه مسلم، مشيرا الى ان ذكر الله تعالى وكثرة الدعاء من أهم الأمور التي تعين المسلم على الثبات عند المحن، لقوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
البلاء والابتلاء
ويقول الشيخ محمد الدعيج: كلنا ينزل عليه البلاء، وكلنا معرض للابتلاء، ولكن للابتلاء ثمن غالٍ اذا صاحبه الإيمان بالله والصبر على هذا البلاء.. المرض.. والفقر.. والجوع.. وفقد الاحبة.. الى آخره هي صور للابتلاء والبلاء، ولكن عندما نتحدث عن الصبر فإننا قد لا نكون محقين في صبرنا ان نزل بنا البلاء، ولكننا نسأل الله الثبات على الإيمان إذا انزل الله علينا البلاء والابتلاء، فإن الصبر لا يمكن للنفوس الثبات عليه ألا لمن اطمأن قلبه بالإيمان..!!
دعوني أذكر حاله أو أكثر فقط
نبي الله زكريا.. اهمّه امر واقض مضجعه لما لهذا الأمر من الم في النفس ولا يمكن للمال والجاه والصحة ان تغطي هذا الالم النفسي ولا ان تعدله.. فكم من بيوت كالقصور المشيدة وتحفها الحدائق والخدم وفيها كل ما لذ وطاب.. ولكنها خالية من الحياة.. لا ابناء يبعثون فيها الحياة، بل هي قصور مظلمة لا حياة فيها.. انه البلاء والابتلاء.
إن نبي الله زكريا سأل الله وشكا لله حاله فقال: (قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا).. انه يتمنى ويسأل الله الولد.
نعم.. الولد نعمة من الله ونقمة وابتلاء، ولكن علينا ان نسأل الله البركة في المال والولد والاهل وما تبقى من اعمارنا..!!
لذلك قال الله عن يحيى بن زكريا عليهما السلام: (وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا).
ومن صور البلاء والابتلاء تلك الفتاة التي لم يكتب لها الله عز وجل الزواج، وهي ترى صديقاتها يتزوجن ويرزقن بأولاد وبنات وهي تشاهدهن فقط، ويتقطع قلبها وتعيش الآلام النفسية والمستقبل الغامض.. فليس امامها إلا ان تصبر وتحتسب وتسأل الله كما سأله النبي زكريا..!!
ان البلاء والابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يجعل في طياته اللطف ويسوق في مجرياته العطف، والمحن تحمل المنح، فكل ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هي في حقيقتها رفعة في درجة المؤمن فقط وزيادة ثوابه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط، فله السخط».
ومما ينبغي ان يعلم ان الابتلاء ليس دليلا على غضب الله، بل قد يكون دليلا على محبة الله للعبد، نسأل الله الثبات والإيمان على البلاء والابتلاء.