يبدو أن ملف المعتقلات والمغيبين في السجون السورية لن يتوقف عن كشف المزيد من القصص المأساوية التي تعجز السينما عن اللحاق بمأساويتها. فمن المعتقلين الأجانب وبينهم أميركيون وعرب، إلى المفقودين منذ سنوات، يبقى الأمل يحدو ذويهم في العثور على أحبائهم أو حتى معلومة تبرد قلوبهم ولو كانت تأكيدا على وفاتهم.
ويستمر الجدل حول سجن صيدنايا سيئ الصيت، بين مؤكد أنه أخلي من جميع معتقليه، وأهالي المفقودين الذين يرفضون مغادرته ويصرون على وجود أقبية سرية فيه.
وحتى يتم حسم الجدل في صيدنايا تستمر باقي المعتقلات في الكشف عن فواجع لا تقل قساوة عنه. وأحدث القصص هي الصدفة التي جلبت المواطن الأمريكي ترافيس تيمرمان من مواليد ولاية ميزوري، الذي جلبه سوء حظه إلى سورية قبل نحو 7 أشهر ليعتقل فور دخوله البلاد إلى ان أفرج عنه مقاتلو المعارضة الإثنين الماضي.
في البداية، ظن الجميع أن تيمرمان هو الصحافي الأميركي المحتجز بسجون النظام السوري السابق، أوستن تايس منذ سنوات، لكن تلفزيون «سوريا» أكد أنه ترافيس الذي قال بدوره لقناة العربية إنه أتى إلى سورية في رحلة دينية قبل أشهر، وانه كان في لبنان قبل أن يدخل سورية بشكل غير قانوني.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية لتلفزيون «سوريا» سعيها إلى تقديم الدعم للأميركي الذي عثر عليه قرب دمشق. وأضافت الوزارة: «مازلنا نبحث عن مكان وجود أوستن تايس وأي أميركي قد يحتاج إلى المساعدة في سورية».
ملف آخر شغل الإعلام في الأيام الأخيرة لكنه انتهى إلى مفاجأة تخص معتقلا كان يعتقد أنه الأردني أسامة بشير البطاينة، قبل أن تعلن عشيرة البطاينة أن نتائج فحص الحمض النووي (DNA) أكدت عدم وجود أي صلة قرابة بين الشخص الذي أفرج عنه مؤخرا من سجن صيدنايا بدمشق والعائلة التي اعتقدت أنه ابنها المفقود منذ 38 عاما.
من جانبه، قال الوزير الأردني الأسبق نضال البطاينة إن عائلة سورية تدعي أن الشخص المفرج عنه هو ابنها، مشيرين إلى أنهم زاروه في سجن طرطوس قبل ثمانية أشهر فقط، قبل أن يتم نقله إلى سجن صيدنايا.
وأشار إلى أن شقيق وشقيقات أسامة بعد لقاء الشخص يميلون إلى الاعتقاد بأنه ليس هو، بينما الأب أكد أنه هو، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان تأكيد الأب نابعا من يقينه أو من ألمه العميق وطول انتظاره لابنه المفقود طوال 38 عاما.
قصة أخرى أشد مأساوية يتداولها الناشطون بأسى بعد العثور على جثة الناشط والمعتقل السابق مازن الحمادة، الذي كان هرب من سورية، عقب اعتقاله من قبل نظام الرئيس السابق، إلى أوروبا عام 2014، حيث نشط هناك من أجل كشف فظائع السجون السورية وطرق التعذيب الوحشية التي كان يتعرض لها المساجين، وظهر في العديد من المقابلات التلفزيونية، متحدثا عن تلك المعاناة وهو يروي كيف جرد من إنسانيته وكرامته خلال فترة الاعتقال والتعذيب.
إلا أن مازن قرر بشكل مفاجئ عام 2020 العودة من هولندا إلى سورية، عقب «محاولات إقناع عدة مورست عليه من قبل دمشق، بينما كان في حالة نفسية سيئة»، وفق ما أكدت ابنة أخيه جود الحمادة في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء.
وفور وصوله إلى مطار العاصمة اعتقل واختفى أثره. وأحيا سقوط الأسد الآمال بالعثور عليه، مع فتح مقاتلي المعارضة أبواب السجون والمعتقلات مطلقة سراح آلاف المعتقلين. وسرعان ما خابت الآمال بالعثور على جثة الحمادة إلى جانب العشرات من الجثث في برادات مستشفى حرستا وعليها آثار الكدمات والتعذيب. وأكدت جود، قريبة مازن في منشور على فيسبوك، أنه قضى قبل أسبوع فقط. ونشرت كلمات مؤثرة فوق صورة عمها قائلة: «وجدت جثة مازن بين الجثث بمشفى حرستا».
كما أضافت «لو صبرت هالأسبوع يا حبيبي.. مع السلامة يا صادق.. مع السلامة يا أصيل..».
وناشدت أسرة المعلمة الأردنية ميسر جميل العيساوي، المعتقلة في السجون السورية منذ عام 1985، الجهات المعنية والمؤسسات الحقوقية ووزارة الخارجية الأردنية المساعدة في معرفة مصيرها، سواء كانت لا تزال قيد الاعتقال أو توفيت.