من سجن صيدنايا سيئ السمعة مرورا بالقطيفة ونجها بريف دمشق إلى مدينة ازرع في درعا،، يستمر العثور على مقابر جماعية لعشرات الضحايا، ليرسم واحدا من أسوأ وجوه المأساة السورية.
وفي تطور صادم يعيد فتح ملف الجرائم المرتكبة ضد المعتقلين السوريين، أعلن مدير المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى، عن بدء العمل في مقبرة جماعية ضخمة في منطقة القطيفة، شمالي العاصمة دمشق، تحتوي على عشرات الآلاف من جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو في ظروف قاسية داخل سجون النظام السوري بين عامي 2012 و2018.
وقال معاذ مصطفى لتلفزيون «سورية» إنهم بدؤوا جمع عينات من مقبرة القطيفة التي كشف عن تفاصيلها الشاهد «حفار القبور» عام 2021، والذي هربته المنظمة خارج سورية للإدلاء بشهادته في عدة محاكم دولية.
وأوضح مصطفى أن المعلومات الأولية حول المقبرة ظهرت عام 2021 عندما كشف الشاهد «حفار القبور» عن وجود موقع دفن جماعي بمنطقة القطيفة. ومع ذلك فإن العمل الميداني لجمع الأدلة بدأ حديثا، بعد الحصول على شهادات إضافية من عمال الحفر الذين عملوا سابقا على دفن الجثث وهربوا لاحقا إلى خارج سورية.
وطالبت المنظمة السورية للطوارئ المجتمع الدولي بإرسال فرق تحقيق مستقلة إلى الموقع.
وبعدما فقد الأمل بالعثور على شقيقيه في عداد الأحياء إثر إخراج المعتقلين من السجون، بدأ زياد عليوي رحلة بحث مضنية عنهما في مقابر جماعية محتملة، يبلغ سكان عن مواقعها ويجري اكتشافها في عدة مواقع، وسط ضعف الخبرات المحلية في التعاطي مع ملفات مماثلة.
قرب بلدة نجها الواقعة جنوب شرق دمشق، يشير عليوي (55 عاما) إلى خندق عميق محفور بعناية في أرض قاحلة يزنرها سور مرتفع وتحيط بها غرف مراقبة عسكرية. ويقول مع سكان آخرين في المكان إن الخندق الذي يتجاوز عمقه الخمسة أمتار، وهو واحد من ثلاثة خنادق على الأقل، يضم رفات معتقلين اعتاد الأمن العسكري على نقلها في برادات بين الحين والآخر ودفنها، فيما كان يمنع على المدنيين الاقتراب من المكان.
واعتقل شقيقا عليوي بين 2012 و2014، إضافة إلى أربعة من أولاد عمه، من دون أن يعلموا شيئا عن مصيرهم على غرار عائلات كثيرة ما زالت تنتظر خبرا يبلسم جراح الفقد.
ويقول عليوي «نبحث عن آلاف من الناس، لا عن واحد أو اثنين أو ثلاثة»، مضيفا «الناس في صدمة، فعندما يموت ابنك وتستلمه، تعرف انه مات وتدفنه، لكنك الآن لا تعلم أين هو ولا دليل لديك» على مصيره.
ومع افتقاد سورية لفرق متخصصة في التعاطي مع ملف المقابر الجماعية وكيفية نبشها والحفاظ على الأدلة، يطالب عليوي المنظمات الدولية والحقوقية أن «تأتي وتفتح هذه المقابر حتى نعرف أين أولادنا».
وأعرب سوريون التقى بهم مراسلو فرانس برس خلال الأسبوع الأخير في سجون ومستشفيات في دمشق ومحيطها عن خيبة أملهم بعد فتح السجون من دون أن يعثروا على أقربائهم. ويتوجه كثر منهم إلى مواقع أمنية في مناطق نائية يعتقدون أنها قد تضم رفات معتقلين قضوا تحت التعذيب، في ما يرقى إلى «جرائم ضد الإنسانية» وفق منظمات حقوقية.
وعلى بعد كيلومترات عدة من نجها، استجاب فريق من الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» لاتصالات عدة وردتهم من سكان أفادوا عن مشاهدتهم سيارة رمت في جنح الظلام أكياسا بداخلها عظام متعددة الأحجام، من دون أن يعرفوا مصدرها. وقام الطاقم بنقل أكياس بيضاء صغيرة وجمعوها داخل أكياس سوداء كبيرة مع ترقيمها.
ويشرح عمر السلمو (40 عاما) وهو عضو مجلس إدارة في الدفاع المدني السوري لفرانس برس «منذ سقوط النظام، تلقينا أكثر من مئة بلاغ عن وجود مقابر جماعية، إذ يعتقد الناس انه في كل نقطة عسكرية توجد مقابر جماعية، بالنظر إلى أن عدد الذين خرجوا من السجون قليل جدا وعدد المفقودين كبير جدا».
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أمس السلطات الانتقالية إلى «تأمين الأدلة وجمعها وحفظها، بما فيها تلك الموجودة في مواقع المقابر الجماعية والسجلات والأرشيفات الحكومية» والى التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، «التي يمكنها أن تقدم الخبرة والدعم الأساسيين لحماية هذه السجلات».
ودعت المنظمة إلى ضرورة «حماية» مقبرة جماعية في حي التضامن في دمشق، حيث عاين فريقها الأسبوع الماضي «أعدادا كبيرة من الرفات البشرية في موقع مجزرة وقعت في أبريل 2013».