- الكوس: التبرع بالدم صورة من صور التعاون على الخير
- الشطي: إذا كانت ميتة الآدمي طاهرة فإن الدم من باب أولى
- العصيمي: يعتبر من الأعمال والقربات الصالحة التي يؤجر عليها الإنسان
بين الفينة والأخرى نسمع دعوات ونداءات للتبرع بالدم، فهو سائل الحياة وواحد من نعم الله على خلقه التي لا تعد ولا تحصى، فما حكم الشرع في التبرع بالدم؟ وهل المتبرع له بذلك أجر؟ وهل حقا هو جزء من الصدقات التي يمكن للإنسان ان يتصدق بها؟ وهل يعتبر الدم نجسا لا يجوز التصدق به؟
عن حكم التبرع بالدم يقول د.أحمد عبدالرحمن الكوس إذا كانت عيادة المريض والسؤال عنه من سنن الإسلام، فمن باب أولى ان نعمل على إنقاذ حياته وإسعافه والتعجيل في ذلك، ولا شيء يعادل حاجة المريض الى الدواء سوى حاجته الى الدم، فهو من افضل الأعمال ومن باب البر والإحسان الى الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من رجل يعود مريضا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له» وقوله: «والذي نفسي بيده لأن أمشي في حاجة أخ لي حتى تقضى أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا».
التبرع بالدم في الشريعة الإسلامية جائز، بل قد يكون مستحبا او واجبا في بعض الحالات، وذلك بناء على القواعد الشرعية العامة التي تحث على التعاون على البر والتقوى، وإنقاذ النفس البشرية.
وبسؤاله هل الدم نجس؟ قال د.الكوس: ذكر اهل العلم ان الدم نجس.
قال القرطبي: اتفق العلماء على ان الدم حرام، نجس، لا يؤكل، ولا ينتفع به. قال تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير). وقال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم). وحاليا بسبب حاجة المرضى للدم في المستشفيات او وقوع الحوادث فهم في حكم المضطر وبحاجة ماسة لهذا الدم الذي يجب ان ينقل لهم لذلك جاز لهم ذلك لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وأكد أن التبرع بالدم: من الضروريات الشرعية كما قال الله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا - المائدة: 32).
والتبرع بالدم لإنقاذ حياة شخص يدخل تحت هذا المعنى وهو من التعاون على البر والتقوى قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان - المائدة: 2). كما أن التبرع بالدم صورة من صور التعاون على الخير وفي القاعدة الفقهية الضرر يزال، والتبرع بالدم قد يزيل ضررا وينقذ حياة وفي القاعدة الأصولية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد قرر الأصوليون ان ما لا يتم الواجب إلا بفعله ففعله واجب ومن ذلك: التبرع بالدم لمن هو بحاجة ماسة خصوصا لمن لديه عملية جراحية، وحفظ النفس واجب.
وحين نبذل لغيرنا من ذوات انفسنا مودة وتعاونا على البر فإن حياتنا جميعا تتحول الى سعادة وليس ثمة واجب اهم من واجبنا نحو التبرع بالدم لإخواننا المحتاجين إليه لإنقاذ حياتهم، واستشهد احمد الكوس بأن الأطباء في كل انحاء العالم قد اثبتوا ان التبرع بالدم الى جانب انقاذه للمحتاج فهو في الوقت نفسه شفاء للمتبرع وتجديد لدمائه وتنشيط لأعضاء جسمه، فلا خوف من التبرع خاصة ان المتبرع يتم فحصه اولا لمنع اي ضرر، والله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه.
وقال: فلنكن اخوة بحق استجابةً لقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). وعن حكم بيع وشراء الدم، قال د.الكوس: لا يجوز للمتبرع اخذ الأجرة او الثمن على تبرعه. وأما إذا تم تقديم هدية للمتبرع او مكافأة فجائز ولا بأس به.
وكذلك إذا لم يجد المريض من يتبرع له بالدم إلا بثمن وشراء، فهذا جائز من باب الضرورات والله أعلم، ويرجى الأجر لمن تبرع بالدم لإنقاذ إخوانه فهذا عمل فيه إنقاذ للإنسان من الموت والهلاك. وقال تعالى في إحياء النفس: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا - المائدة: 32).
لذلك التبرع بالدم هو نوع من أنواع الصدقات والأعمال الصالحة وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل معروف صدقة» رواه مسلم، وهذا العمل من باب الاحسان وفعل الخير.
كل معروف صدقة
وردا على من يقول ان الدم نجس وبالتالي لا يجوز التصدق بالنجس، فيوضح د.بسام الشطي ذلك بقوله: الدم ينقسم الى اقسام، اتفق العلماء على حكم بعضها، واختلفوا في حكم البعض الآخر، فالدم المسفوح عند المالكية نجس، سواء كان من سمك أو آدمي او غيرهما، مع العفو عن يسيره، ولو خرج من السبيلين، ودليلهم على نجاسته عموم قوله تعالى (أو دما مسفوحا ـ الانعام: 145)، وحديث اسماء المتفق عليه قالت: جاءت امرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه، ولا فرق بين دم الحيض وغيره، ودليل العفو عن اليسير من الدماء عندهم، هو رفع الحرج، والإصر الكائن في التحرز من قليل الدم، وقد قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج ـ الحج: 78)، وما تبقى في عروق المذكاة او عظامها من الدم فهو طاهر، لقول عائشة رضي الله عنها: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلوها الصفرة من الدم، فنأكل، ولا ننكره، هكذا ورد القرطبي هذا الأثر، وقد اخرجه الطبري في تفسيره من طريقين عن القاسم، عن عائشة بنحوه، وليس فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتابع: اما الدم المصبوب في جوف الذبيحة، مما ليس في عروقها، فألحقوه بالدم المسفوح، كما ألحقوا دم القلب بدم العروق، على المشهور في هذين الاخيرين، هذا هو حكم الدم عند المالكية، وهو قريب من مذهب الاحناف، إلا ان الاحناف يقولون بطهارة دم البراغيث، والبق، ونحوهما، مما ليست له نفس سائلة، اما الحنابلة فالدم عندهم ينقسم الى ثلاثة اقسام: طاهر، نجس لا يعفى عن شيء منه، ونجس يعفى عن يسيره.
طاهرة ونجس
وأضاف د.الشطي: فالطاهر هو دم البعوض والذباب ونحو ذلك مما لا يسيل، ودم عروق المذكاة، ودم الشهيد، الذي لم ينفصل عنه، لأمره صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في دمائهم، اخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه، والدم النجس الذي لا يعفى عن شيء منه، هو: كل دم خرج من حيوان نجس، او خرج من السبيلين من الآدمي، فلو أصاب الإنسان منه قدر رأس ابرة لزمه غسله، اما الدم الذي يعفى عن يسيره فهو دم الآدمي اوغيره من الحيوانات الطاهرة، هذا هو مشهور المذهب، اما الشافعية فإن الدم المسفوح عندهم نجس، سواء كان من آدمي ام من غيره، إلا انه يعفى عندهم عن يسيره، كما يعفى عن دم الجروح، ولو ان كثيرا، شريطة ان يكون من الانسان نفسه، وألا يكون بفعله وتعمده، وألا يتجاوز محله المعتاد وصوله إليه.
وزاد: ويعفى ايضا عندهم عن دم البراغيث والقمل ونحوهما، مما ليست له نفس سائلة، فيعفى عنه في الثوب والبدن لعسر التحرز منه عادة، هذا هو ملخص مذاهب الائمة الاربعة ـ رحمهم الله تعالى ـ في الدم، فقد اتفقوا في الجملة على نجاسة الدم المسفوح، كما اتفقوا على العفو عما يصعب التحرز منه من الدماء، الا ما تقدم عن الحنابلة من عدم العفو عن اي شيء مما خرج من سبيلي الآدمي او من الحيوان النجس، وذهب بعض اهل العلم الى طهارة دم الآدمي غير الخارج من السبيلين لعدة امور، منها:
٭ أولا: ان الاصل في الاشياء الطهارة، حتى يقوم دليل النجاسة، ولا نعلم انه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم الا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الانسان من جروح، ورعاف، وحجامة وغير ذلك، ولو كان نجسا، لبين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة الى بيانه.
٭ ثانيا: ان المسلمين مازالوا يصلون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدم الكثير، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه امرهم بغسله، ولم يرد انهم كانوا يتحرزون منه تحرزهم من النجاسات.
٭ ثالثا: ان ميتة الآدمي طاهرة، واجزاؤها طاهرة، فلو قطعت يده لكانت طاهرة، مع انها تحمل دما، وربما كان كثيرا، واذا كانت ميتة الآدمي طاهرة، او جزؤه الذي هو ركن في بنيته، فإن الدم من باب اولى، والدليل على طهارة ميتة الآدمي قوله صلى الله عليه وسلم: «ان المؤمن لا ينجس» متفق عليه.
عمل إنساني
من جانبه، يقول د.محمد ضاوي العصيمي: التبرع بالدم من الأعمال والقربات الصالحة، ويعتبر من الصدقات التي يؤجر عليها الانسان، وهي داخلة في قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا)، وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «من استطاع منكم ان ينفع اخاه فليفعل»، وحديث «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».
وزاد: قد يكون دمك الذي تبرعت به سببا في انقاذ حياة انسان، وبهذا الفعل تكون مأجورا ومثابا.