أثـــار إقدام متطوعين على طلاء جدران زنزانة في سوريـة غضب عائلات المفقودين والمعتقلين والناشطين والمنظمات المعنية بالملف التي دعت السلطات الجديدة إلى منع الدخول إلى السجون للحؤول دون «طمس» معالمها و«العبث» بالأدلة، حيث اتجهت أصابع الاتهام لفلول النظام.
وكان فريق تطوعي أعلن عن طلاء جدران أحد أفرع الأمن التابعة للنظام المخلوع في اللاذقية ونشر فيديو على صفحته في مواقع التواصل، قبل ان يقوم بسحبه بعد سيل الانتقادات. وفور الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر، حرر الآلاف من السجون، لكن مصير عشرات آلاف آخرين مازال مجهولا وتبحث عائلاتهم عن أي أثر لهم.
وفي الساعات الأولى لوصول السلطة الجديدة إلى دمشق، شكلت السجون ومراكز الاعتقال وجهة لآلاف العائلات والصحافيين وسط حالة من الفوضى، ما أدى إلى تضرر مستندات رسمية ونهب بعضها الآخر وضياع عدد منها.
ويظهر في مقطع فيديو جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الأخيرين، 20 شابا وشابة وهم يدخلون مركز اعتقال داخل فرع أمني، تبدو على جدرانه عبارات حفرها معتقلون سابقون، قبل أن يقدموا على طلائها ورسم علم الاستقلال الذي تعتمده السلطة الجديدة، ويكتبون عبارات مثل «فتحت الأبواب وحلقت الأرواح» على الجدران، ويلتقطون الصور أمام رسوماتهم. ودعت عشرات المنظمات المعنية بملف المفقودين والمعتقلين والمخفيين قسرا في سورية، في بيان مفتوح، السلطات الجديدة إلى «التحرك العاجل والفوري والصارم لإيقاف استباحة السجون ومراكز الاعتقال في سورية والتعامل معها على أنها مسارح لجرائم وفظائع ضد الإنسانية، ومنع الدخول إليها وطمس معالمها وتصويرها والعبث بما تحويه من وثائق وأدلة».
وأضافت: «كان ولا يزال التعامل غير الحساس مع حرمة هذه الأماكن ومن مر فيها مخزيا»، معتبرة أن «طلاء الزنازين وطمس معالمها.. يشكل بالنسبة لنا إمعانا فاضحا وتنكيلا صارخا بحق مفقودينا».
وقال دياب سرية من رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، الموقعة على البيان، لوكالة فرانس برس إن «طلاء جدران أفرع الأمن السورية أمر مدان خصوصا قبل بدء تحقيقات جديدة في جرائم الحرب التي شهدتها البلاد على مدار سنوات النزاع».
ولفت إلى أن الخطوة «تعوق جهود التوثيق وجمع الأدلة التي قد يحتاج اليها المحققون»، مذكرا بأنه «في هذه الأماكن ارتكبت جرائم تشمل التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري».
وفي منشور على فيسبوك، استعادت جومان شتيوي تجربة اعتقالها التي دخلت خلالها إلى 3 فروع أمنية. وقالت «على الجدران توجد أسماء وأرقام هواتف للتواصل مع الأهالي وإبلاغهم عن مصير أبنائهم، كل مكان ندخله نكتب فيه ذكرى حتى يتذكرنا من بعدنا وكذلك نفعل مع من سبقنا».
وتابعت: «هذه السرقات والتسلية والتفاهة هي تسلية بتاريخ السوريين وحاضرهم وماضيهم ومستقبلهم، هذا الأمر شخصي وجمعي وندافع عنه بكل ما فينا من وفاء وانتماء لهذا البلد». الفريق نشط على «فيسبوك» منذ 13 من ديسمبر 2024، أي بعد سقوط النظام بـ 5 أيام، لكن تاريخ إنشاء الصفحة يعود لعام 2015.
ويعرف الفريق عن نفسه بأنه «مجموعة تطوعية شبابية دون تمويل، هدفها إعمار سورية، وتشجيع الشباب السوري على العمل التطوعي»، وأنشئ في اللاذقية.
وقام الفريق بحذف الفيديو المذكور، وحجب التعليقات عن أحدث المنشورات، كما حذف تسجيلا مصورا كان يظهر اجتماعا لأعضائه في مقهى أو مطعم.
وقد اتهم ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فلول النظام بالوقوف وراء هذه المبادرة، مشيرين إلى أن أحد القيمين عليها صحافي كان يعمل لحساب قنوات سورية تابعة للنظام.
وأكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبدالغني أنه يتم التحقيق في الحادثة، مضيفا ان «العبث بمسرح الجريمة يعد انتهاكا خطيرا، وأخشى أن يكون هذا العبث مقصودا، خاصة أن مرتكبي الانتهاكات غالبا ما يسعون الى طمس الأدلة وإخفاء آثار جرائمهم، بل وقد يدفعون أموالا لأشخاص لتنفيذ ذلك».
وتجدر الإشارة إلى أن فرقا مختصة تقوم بتفقد السجون والفروع الأمنية في مختلف المناطق السورية، بهدف جمع المعلومات والأدلة منها في محاولة الكشف عن مصير معتقلين ومفقودين لدى النظام المخلوع. وكانت السجون والفروع الأمنية قد تعرضت للكثير من الانتهاكات في الأيام الأولى لتحريرها، وذلك بفعل حالة الفوضى التي عمت وتهافت الأهالي لمعرفة مصائر أبنائهم.