يتردد سوريون يقطنون مخيم الزعتري في الأردن أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في العالم في العودة إلى بلدهم بعد مرور حوالى شهر ونصف الشهر على سقوط نظام بشار الأسد، بسبب ما وجدوا فيه من استقرار طوال سنوات النزاع.
شارع «الشانزليزيه» في مخيم الزعتري الواقع على بعد حوالى 70 كيلومترا شمال-شرق عمان، الذي سمي تيمنا بالجادة الباريسية الشهيرة لما يشهد من حركة تجارية ومطاعم ومحال مختلفة، يبدو أقل ازدحاما مما كان عليه في سنوات سابقة.
يقول يوسف الحريري البالغ 60 عاما، وصاحب محل مواد بناء في الشارع لوكالة فرانس برس، «لا يمكنني العودة. العودة تعني الخسارة من كل الجوانب وبيع المحل صعب».
ويضيف «الوضع الداخلي غير مناسب في سورية حاليا، فهناك غلاء فاحش. بيوتنا هناك مدمرة».
ويؤكد أن «الرؤية لما يجري في سورية غير واضحة حتى الآن، والأفضل أن أبقى هنا أنا وعائلتي بأمان».
وبعدما بدأ النظام قمع الاحتجاجات عام 2011 مخلفا ملايين اللاجئين، افتتح مخيم الزعتري في 2012 في محافظة المفرق وأصبح سريعا أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم.
وكان المخيم حينها مجرد خيام نصبت على عجل في أرض خالية، قبل ايصال الخدمات إليه واستبدال الخيام ببيوت جاهزة ليتحول إلى ما يشبه مدينة.
وبعدما وصل عدد قاطنيه إلى 140 ألفا في بعض السنوات، بات الآن يؤوي 75 ألفا وفقا للناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن رولان شونبور.
«إلى أين نعود؟»
معظم قاطني المخيم فروا سيرا من درعا في جنوب سورية الحدودية مع الأردن، «مهد الثورة» من حيث انطلقت شرارة الاحتجاجات.
يسأل خالد الزعبي (72 عاما) صاحب متجر في المخيم الذي يقيم فيه منذ 13 عاما «إلى أين نعود؟ 90 بالمائة من الدور مهدمة والجو بارد جدا والحالة المادية لمعظمنا لا تسمح بالعودة فلا أحد يعرف كيف سيكون الوضع هناك».
ويضيف متكئا على عكاز خشبي «هربنا من الظلم والاستبداد في سورية في عهد عصابات الأسد حيث لا قيمة للإنسان، هنا في الأردن شعرت أني إنسان وأفضل البقاء الآن».
ويقول الرجل الذي كان يعمل «مخللاتي» في درعا إن عائلته كانت مؤلفة من ستة أفراد عندما وصل وباتت الآن تضم 18 فردا ما يصعب العودة إلى «وضع مجهول.. خصوصا أن مفوضية الامم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين لا تقدم أي مساعدة للعودة».
وتتوافر خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم بالمجان في الزعتري، ويتلقى كل سوري مساعدات نقدية للغذاء مع إمكانية المغادرة للعمل خارجه والعودة، ما يجعل قاطنيه مترددين تجاه العودة.
«لا أحد يساعدك»
ويقول رضوان الحريري (54 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء وجد لـ12 حفيدا ولدوا جميعا في الأردن، إن عائلته تحصل شهريا على مساعدة مادية من المفوضية.
ويضيف الرجل الذي كان عامل بناء في درعا وهو اليوم إمام مسجد في المخيم، أنه في سورية «لا أحد يساعدك ولا يوجد عمل، وكل من نتصل به هناك ينصحنا بعدم العودة الآن».
ويؤكد «منذ جئنا إلى المخيم تعودنا على الحياة هنا، من الصعب أن نتركه».
وتقول عمان إن عدد السوريين الذين غادروا الأردن عبر معبر جابر الحدودي مع سورية تجاوز 52 ألفا منذ سقوط الأسد.
وقدرت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم من دول اللجوء بين يناير ويونيو 2025. إلا أنها ترى أن الظروف قد تكون غير ملائمة لعودتهم إلى بلدهم.
ويقول رولان شونبور «انعدام الأمن لا زال مقلقا، وهناك الكثير من عدم الاستقرار واشتباكات مسلحة في بعض المناطق، وعدد متزايد من الضحايا المدنيين بسبب مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة».
لكنه يؤكد أن «لكل لاجئ الحق في العودة إلى وطنه والمفوضية تقدم المشورة والمعلومات له، لكن تحديد الوقت المناسب للعودة الطوعية يبقى قرارهم».
وتفيد لأمم المتحدة بأن الأردن استضاف منذ بدء النزاع السوري نحو 680 ألف سوري مسجلين كلاجئين لديها، بينما تؤكد المملكة أنها استقبلت 1.3 مليون سوري.
«الحنين إلى الوطن والحنين إلى الزعتري»
يشوب الحزن صوت مريم مسالمة البالغة 63 عاما عندما تتحدث عن المخيم الذي لجأت اليه قبل 12 عاما بينما تحزم امتعتها استعدادا للمغادرة: «حنينا للوطن».
وتقول مسالمة التي ارتدت ثوبا أسود مطرزا بالورود «أنا حزينة على فراق الزعتري، فقد أصبح وطني».
وتؤكد بينما تتفقد حديقة زرعتها بجانب منزلها بشجيرات ورد وتفاح وفاكهة إن ابناءها عادوا إلى سورية بعد سقوط الأسد لذا قررت العودة مع زوجها.
ويتحرق آخرون للعودة إلى سورية على غرار محمد عتمة (50 عاما) الذي يستعد للمغادرة مع أفراد أسرته الثمانية. ويقول «حان الوقت للعودة، لم أر أمي وإخوتي منذ 13 عاما».
ويضيف «عوملنا هنا بكل لطف واحترام وكرامتنا كانت محفوظة (..) لكن مصير الإنسان العودة إلى بلده».