بعد رحلات نزوح قسري مريرة جراء حرب إسرائيلية مدمرة استمرت 15 شهرا، تدفقت حشود هائلة من الفلسطينيين وصفت بـ «طوفان بشري» إلى شمال غزة بالرغم من تحول بيوتهم إلى ركام، في ظل تقدم في المفاوضات من شأنه أن يسمح بالإفراج الوشيك عن دفعة إضافية من المحتجزين، وسط رفض عربي ودولي واسع لفكرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وشوهد نازحون من كل الفئات العمرية بينهم نساء معهن أطفالهن وكبار السن الذين بدا عليهم الإعياء والتعب يمشون قرب الشاطئ على شارع الرشيد الساحلي وقد حمل كثير منهم أغراضهم الشخصية فيما دفع بعضهم العربات.
وردد العشرات هتافات «الله أكبر» أثناء تجاوزهم مفترق نتساريم الذي كان مجرد الوصول إليه قبل سريان الهدنة في قطاع غزة يعرضهم لخطر الموت فيما انتشر مئات من عناصر شرطة حماس على جانبي الطرقات التي سلكها النازحون باتجاه الشمال.
وذكر شهود العيان أن العائدين، ومن بينهم نساء وأطفال وشيوخ، حملوا أمتعتهم وحاجياتهم البسيطة، وساروا على الأقدام دون إجراءات تفتيش من أي جهة، بما فيها القوات الإسرائيلية. وأضاف هؤلاء ان الشارع شهد ازدحاما كبيرا بسبب الأعداد الهائلة من النازحين.
وفي موازاة ذلك، بدأ صباح أمس، السماح للمركبات بالمرور عبر محور نتساريم باتجاه شمال القطاع.
وأفادت مصادر محلية وشهود عيان بأن عملية المرور عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية سارت ببطء شديد، حيث تدخل المركبات على دفعات جراء إخضاعها لإجراءات تفتيش صارمة.
وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، تم تجهيز نقاط تفتيش تضم أجهزة فحص متطورة (X-RAY) عند محور نتساريم بطاقم أمني دولي يضم نحو 100 فرد يعمل تحت إشراف شركة أمنية أميركية لفحص المركبات. ورصد شهود عيان إعادة تموضع للدبابات الإسرائيلية في شارع صلاح الدين شرق محور نتساريم قبيل السماح بفتح الطريق.
وشهدت الطرق المؤدية إلى محور نتساريم ازدحاما كبيرا، إذ اصطفت المئات من المركبات والشاحنات والعربات التي تجرها الحيوانات على طول شارع صلاح الدين، الطريق الرئيسي الرابط بين شمال وجنوب القطاع.
وجاءت هذه التطورات غداة إعلان قطر توصل حركة حماس وإسرائيل إلى تفاهم يقضي بتسليم الرهينة أربيل يهود و2 آخرين قبل يوم الجمعة القادم، و3 رهائن يوم السبت، مقابل سماح إسرائيل بعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة ابتداء من صباح أمس.
من جهتها، اعتبرت حركة حماس عودة النازحين الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله «هزيمة للاحتلال ومخططات التهجير».
وقالت الحركة في بيان وفق وكالة فرانس برس إن عودة عشرات آلاف النازحين شكل «انتصارا لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير» فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن عودة النازحين هي «رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا».
ومع عودة النازحين إلى شمال غزة، أعلن قيادي بحركة حماس، أمس أن الحركة سلمت للوسطاء قائمة بأسماء 25 رهينة على قيد الحياة من بين 33 من المقرر الإفراج عنهم في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، كما ستسلم ثمانية جثامين مع الرهائن المفرج عنهم في الأسابيع المقبلة.
في الأثناء، تواصلت ردود الفعل العربية والإسلامية الرافضة لفكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أكد مجلسا النواب المصري والأردني رفضهما بشكل قاطع أي ترتيبات أو محاولات لتغيير الواقع الجغرافي والسياسي للقضية الفلسطينية.
وشدد رئيس مجلس النواب المصري المستشار د.حنفي جبالي في كلمة له أمام الجلسة العامة للمجلس على ضرورة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن في قطاع غزة ليس سوى خطوة أولى في مسار تحقيق السلام.
وأشار إلى أن الأطروحات المتداولة بشأن تهجير الفلسطينيين تتجاهل تماما الحقيقة الراسخة بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع جغرافي بل قضية شعب يناضل من أجل حقوقه التاريخية المشروعة، مشيرا إلى أن مجلس النواب المصري يقف اليوم ليعبر عن موقفه الثابت والداعم لقضية الشعب الفلسطيني.
وتابع: إن وقوفنا إلى جانب شعب فلسطين ليس مجرد التزام سياسي، بل هو انحياز للحق وللجانب الصحيح من التاريخ، خاصة في ظل ما عاناه هذا الشعب العصي على الانكسار من انتهاكات جسيمة واستباحة لدماء الأطفال والنساء والشيوخ على مرأى ومسمع من العالم.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي إن المجلس يرفض كل محاولات تهجير الفلسطينيين، مؤكدا أن «الأردن لن يكون وطنا بديلا، وهذا الوطن سيصمد في وجه التحديات مهما اشتدت».
وأضاف الصفدي خلال جلسة للمجلس الاثنين: «إن الحرص على وقف معاناة أهل غزة لا يكون بطرح حلول تخدم أجندة الصهيونية التوسعية التي لن تجلب سوى الدمار والخراب للمنطقة». وأكد الصفدي أن الحديث عن تهجير الشعب الفلسطيني من غزة بعد ما طاوله من عذاب وإجرام «لا يستقيم مع قيم العدالة والحرية التي تنادي بها الأنظمة الديموقراطية، ولا يملك أحد حق تقرير مصير فلسطين إلا شعبها الصامد».
وأكدت جامعة الدول العربية «وقوفها بشكل قوي ومبدئي في مساندة الموقف المصري والأردني الرافض للأفكار التي يتم الترويج لها بخصوص تهجير الفلسطينيين».
وذكرت الجامعة في بيان ان ذلك جاء في تصريح صحافي لأمينها العام أحمد ابوالغيط ان «الموقف العربي لا يساوم في موضوع تهجير الفلسطينيين من أرضهم سواء في غزة أو الضفة».
وأضاف ان «الاصطفاف العربي المساند لموقف مصر والأردن واضح ولا لبس فيه والأطروحات القديمة المتجددة بتهجير أصحاب الأرض من أراضيهم هي أطروحات مرفوضة ولا طائل من مناقشتها».
بدورها، أعربت منظمة التعاون الإسلامي أمس عن رفضها وإدانتها المخططات الرامية لتهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه.
واعتبرت المنظمة في بيان صحافي ان ذلك يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة مجددة دعوتها إلى ضرورة الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل كاف إلى جميع أنحاء قطاع غزة ومساعدة النازحين للعودة إلى منازلهم.
وأشارت إلى ضرورة تمكين الحكومة الفلسطينية من تولي مهامها في الحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية بما يشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وتنفيذ برامج الإغاثة الطارئة والإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار، مؤكدة دعمها المطلق لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته.