بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
احتوى لبنان الرسمي تداعيـــات قتل الجيــش الإسرائيلي الأحد ٢٤ مواطنا بينهم شهيد للجيش، في المواجهات التي حصلت بين أهالي البلدات والقرى الجنوبية اللبنانية المحتلة، والجنود الإسرائيليون الذين أطلقوا النار على أشخاص عزل غالبيتهم من النساء والمسنين والأطفال، توجهوا إلى بلداتهم في الموعد المحدد للانسحاب الإسرائيلي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حزب الله»، ودخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024.
الاستيعاب الرسمي كان بمزيد من الاتصالات الديبلوماسية الرفيعة تصدى لها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون وأبرزها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأسفرت إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «بعد التشاور مع الرئيسين عون و(رئيس مجلس النواب نبيه) بري، استمرار العمل بموجب تفاهم وقف إطلاق النار حتى 18 فبراير 2025».
مواقف الرئيس عون كانت محل تقدير من قوى سياسية عدة، في طليعتها أركان «الثنائي»، اذ عبر عدد من قياديي الصف الأول في «الثنائي» لـ «الأنباء» عن تقدير دور رئيس الجمهورية في المواكبة والمتابعة والتصدي.
وقد أدرج لبنان الرسمي في مطالبه استعادة الأسرى الذين اعتقلتهم إسرائيل بعد الثامن من أكتوبر 2023، تاريخ فتح «حزب الله» لـ «حرب الإسناد» لغزة، في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة «حماس» في مستوطنة غلاف غزة.
وضبط الجيش اللبناني عملية توجه الأهالي إلى قراهم التي وصلوا إليها الأحد، وتولى الدخول إلى بلدات كبرى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، وعمل على تنظيف الألغام وكل ما يهدد سلامة المواطنين.
وبدا أن الدولة اللبنانية تعمل بسباق مع الوقت لتثبيت نقاط عسكرية للجيش اللبناني في البلدات التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي، وتأمين سلامة المواطنين، وتوفير ما يحتاجون اليه في قرى وبلدات مدمرة بالكامل وانعدمت فيها مقومات الحياة من مياه وكهرباء وطرقات. كما بدا أن موعد الثامن عشر من فبراير يسير في عد تنازلي، ولا يشهد استقرارا في حركة الجيش الإسرائيلي لجهة تثبيت بقائه في القرى والبلدات المحتلة.
وقدرت جهات سياسية كبرى للجيش اللبناني دوره في حماية المدنيين، وشبك الأيادي مع أبناء القرى والتقدم معا إلى داخل أحياء البلدات المحتلة، والتمكن عبر اتصالات مع القوات الدولية من دخول 18 بلدة انسحبت منها إسرائيل تحت ضغط فرضته إرادة أبناء هذه البلدات وإصرارهم على عدم التراجع.
توازيا، انطلق أهل الحكم في لبنان نحو تأليف سريع لحكومة العهد الأولى، بعدما فرضت حركة أهل الجنوب روزنامة جديدة في الأولويات اللبنانية، لجهة ولادة حكومة تواكب التحرير الكامل للأرض، والوقوف على حاجات المواطنين وأهل الجنوب، في بلد يعاني أساسا من ضائقة اقتصادية وانهيار مالي ومصرفي سبقا «حرب الإسناد» والحرب الإسرائيلية الموسعة بين القسم الأخير من سبتمبر وما بعد 27 نوفمبر الماضيين.
ويعمل رئيس الجمهورية على حلحلة العقد بين الرئيس المكلف نواف سلام والكتل السياسية والأحزاب، سعيا إلى ولادة حكومة كاملة الأوصاف، تكون على مستوى ترجمة الدعم الدولي والعربي غير المسبوقين للبنان الرسمي منذ فترة طويلة.
ونقلت مصادر متابعة لـ «الأنباء» عن ديبلوماسيين قولهم «إن المساحة تضيق أمام اللبنانيين للاستفادة من الفرصة بإنقاذ البلاد مما تتخبط فيه منذ أكثر من عقدين. وعلى جميع الأطراف اللبنانية أن تدرك أن هذه الفرصة لن تتكرر في حال ضياعها».
وتابعت المصادر: «ما حصل في الجنوب يؤكد الحاجة الماسة إلى تشكيل حكومة لمواجهة التحديات المقبلة، وقطع الطريق على محاولات إسرائيل اللعب على التناقضات اللبنانية، وإذا كان قد تم تجاوز هذا القطوع بتعاون بين السلطة ممثلة في الجيش وأبناء القرى الحدودية، فإن الأمور لن تكون مضمونة في المرات المقبلة، فيما لو حاولت إسرائيل استدراج لبنان إلى مواجهة أخرى في محاولة منها لتكريس احتلالها لبعض بلدات الجنوب وإقامة المنطقة العازلة، التي لا تتردد عن إعلان نيتها بإقامتها كمطلب لعودة المستوطنين إلى الشمال».
جنوباً، توافدت حشود من الأهالي والسكان إلى بلدات وقرى القطاعين الغربي والأوسط، خاصة مدينة بنت جبيل. فيما عزز الجيش اللبناني انتشاره وعمل على تأمين سلامة المواطنين، وقامت قوات «اليونيفيل» بدوريات. كما عملت فرق الدفاع المدني على البحث عن جثث مفقودين منذ الحرب الإسرائيلية الموسعة.
في حين شهد الداخل اللبناني في العاصمة وبقية المناطق حركة طبيعية، وفتحت المدارس والجامعات والمؤسسـات الرسميـــة والخاصة أبوابها كالمعتاد، وكانت حركة السير طبيعية ومكتظة في بعض المناطق جراء سقوط المطر.
في المواقف، قــال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمام وفد من جمعية المصارف في قصر بعبدا، إن «معالجة الواقع المصرفي بحاجة إلى تضافر الجهود بين الدولة والمصارف والمودعين، لأن لا حل من طرف واحد. وأكد أن «الأولوية بعد تشكيل الحكومة ستكون للإصلاحات وللانتخابات البلدية والاختيارية». في حين التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت، «وبحثا في التطورات الراهنة ولاسيما تنفيذ القرار 1701 بعد تمديد مهلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار»، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي.
رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل قال من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية: «حزب الكتائب سيكون إلى جانب الرئيس عون في كل المراحل المقبلة». وأضاف: «يشكل الرئيس عون لنا ولكثير من اللبنانيين اليوم رمزا لسلطة الدولة وهيبتها واستعادة قرارها الحر، وبالتالي علينا دعم هذه المسيرة. ونحن ندعو من هنا، مختلف القوى السياسية لتسهيل عمل الرئيس ورئيس الحكومة المكلف لإطلاق عجلة إعادة انبثاق السلطة في أسرع وقت ممكن، فتشكل الحكومة من أشخاص أكفاء يكون باستطاعتهم الانطلاق بمعالجة الملفات ومشاكل اللبنانيين وإعطاء الأمل للناس، ويكون لدينا وزارة خارجية تتكلم وفق المصلحة اللبنانية».
وتابع: «هناك ظروف صعبة يمر بها البلد، وهناك الكثير من التحديات الكبيرة التي علينا مواجهتها وتتطلب تضامنا حول مؤسساتنا الرسمية وفخامة الرئيس، وله منا كل الدعم والمحبة والثقة بأن الأمور ستسير كما يجب».