بيروت - أحمد منصور
كان أبناء إقليم الخروب والجنوب ينتظرون بفارغ الصبر تنفيذ مشروع طريق سريع على ساحل الشوف، لتخفيف معاناتهم على الطريق أثناء رحلتهم بين العاصمة بيروت والجنوب، جراء ضغط السير الكبير المسبب للزحمة اليومية لساعات طويلة من الانتظار على تلك الطريق، لعدم قدرتها على استيعاب كثافة حجم حركة السيارات العابرة.
واليوم، وبعد نحو ثلاثين عاما على تنفيذ الأوتوستراد الساحلي، تحول إلى نقمة لدى المواطنين، بدلا من أن يكون نعمة، إذ بات يوصف بـ «أوتوستراد الموت» بسبب حوادث السير المميتة، والتي تقع عليه بشكل دائم.
وتعود إلى عوامل عدة عوامل، أبرزها كما يؤكد عدد من الخبراء والمختصين: غياب الصيانة والتأهيل، والإهمال الرسمي لهذا المرفق وغيره من المرافق التي تعرض حياة الناس للخطر.
ويعتبر الخبراء أن تنفيذ الأوتوستراد بالشكل الحالي غير مطابق لمواصفات السلامة العامة على المستوى المطلوب، لاسيما لجهة كثرة المنعطفات وخصوصا في الجية والسعديات، والتي هي من إحدى الأسباب الرئيسية لفقدان السائقين السيطرة على سياراتهم، ناهيك عن السرعة الزائدة وعدم التقيد بقوانين السير.
ويشير الخبراء إلى أن الأزمة الاقتصادية ومفاعيلها السلبية، كان لها تأثير كبير على كل الطرقات في لبنان، حيث غابت عنها الرعاية والإنارة والإشارات الضوئية نتيجة غياب التيار الكهربائي. وتتحول الطرقات إلى «قنابل موقوتة» نتيجة الظلام الدامس، ما يؤدي إلى وقوع حوادث السير والصدم للمواطنين.
وفيما يستمر مسلسل عداد الموت على الأوتوسترادات في لبنان، يبدو غياب الحلول الجذرية لهذه المعضلة، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية، والتي تبدأ كما يراها المواطنون وأصحاب الشأن والمسؤولية بتطبيق القانون عبر تثبيت حضور الدولة، من خلال عناصر قوى الأمن الداخلي لوضع حد للتهور والسرعة الجنونية على الطرقات، وتسطير محاضر ضبط من خلال الكاميرات والدوريات، والتي باتت مطلبا كبيرا للمواطنين لتبديد مخاوفهم.
في هذا الإطار، قال رئيس بلدية جدرا المونسنيور جوزف القزي لـ «الأنباء»: «الأوتوستراد الممتد من الأولي مرورا بالرميلة وجدرا والجية والسعديات والدامور والناعمة حتى خلدة تكتنفه مخاطر كبيرة. ويشهد في شكل يومي حوادث سير مروعة، وغالبا ما تؤدي إلى سقوط ضحايا وجرحى، وكان آخرها منذ أيام في الجية عند مفرق برجا، حيث اصطدمت سيارة ليلا بسبب الظلام بشاحنة كانت معطلة ومتوقفة إلى جانب الأوتوستراد، وأدت إلى وفاة الدكتور الجامعي غازي غزيل من بلدة برجا وزوجته المربية جمال ملك من بلدة كترمايا».
وإذ أشار القزي إلى «ان الأوتوستراد هو من صلاحيات وزارة الأشغال العامة»، لفت إلى «أن حوادث السير تزداد عليه، بفعل غياب الصيانة والتأهيل من مختلف جوانب الهندسة والحفاظ على السلامة المرورية، حيث تتشكل الحفر والخسفات والانشقاقات، بالإضافة إلى غياب التيار الكهربائي، وتكثر المصائد والكمائن للسيارات، ما يؤدي إلى وقوع اصطدامات بينها».
وأضاف: «في هذا الخصوص، أطلقت الأسبوع الماضي نداء عاجلا، بعد ان تفاقم وضع وصلة جسر جدرا - سبلين على الأوتوستراد نحو الأسوأ، والتي أدت إلى حدوث حفرة عميقة وسط الطريق على المسربين، والتسبب بحوادث سير وتهديد حياة العابرين. وقد لبت وزارة الأشغال العامة ومجلس الإنماء والإعمار النداء، وباشرتا بأعمال الصيانة على مسربي الأوتوستراد».
وطالب القزي «وزارة الأشغال في الحكومة العتيدة، بالعمل على رفع الأضرار وتأمين السلامة العامة على الاوتوستراد».
بدوره، اعتبر رئيس بلدية الجية بالإنابة وسام الحاج «أنه توجد أكثر من مشكلة على الاوتوستراد، حيث تكثر الحفر التي لم تتم معالجتها على طول الخط الساحلي».
وأضاف: «على نطاق بلدية الجية هناك أكثر من حفرة على مسلكي الأوتوستراد، بالإضافة إلى حاجة الدفاعات على جوانبه إلى الصيانة، فضلا عن غياب الإنارة، والسرعة الزائدة للسائقين، ووجود عبارة تحت الأرض في بلدة الجية في الوسط ما بين مفرق برجا ومعمل الجية الحراري، إذ ان الترسانة الاسمنتية ظاهرة. وقد أبلغنا وزارة الأشغال وأرسلنا الصور لها في 26 ديسمبر الماضي. ولغاية اليوم لم يتم الكشف عليها أو اتخاذ أي اجراء، علما أنني تواصلت مرتين مع وزارة الاشغال ووعدونا، وحتى الساعة ما من جديد».
وأشار الحاج إلى «أن البلدية قامت منذ نحو السنة، بترقيع بعض الحفر الأساسية على الاوتوستراد، علما أن ذلك من صلاحيات وزارة الأشغال».
وأكد «ان المطلوب لرفع المخاطر، صيانة لجوانب الطرقات في شكل دوري، ووضع إشارات إرشادية لها علاقة بموضوع السرعة، مع مجود أسهم ضمن هذه الإشارات، بالإضافة إلى إشارات ضوئية فوسفورية ليلية، لكشف الطريق أمام السائقين للحد من الحوادث المميتة».
وشدد على «أهمية وضرورة تقيد المواطنين والالتزام بقوانين السير وتخفيف السرعة». ورأى «أنه من الضروري معالجة موضوع العبارة بشكل سريع».
من جهته، أشار مؤسس «أليازا» (للسلامة المرورية) المحامي زياد عقل إلى «ان واقع الأوتوستراد الساحلي، هو نفسه واقع كل الأوتوسترادات في لبنان، إذ تحتاج إلى الصيانة والتأهيل واهتمام أكثر لناحية السلامة العامة».
وشدد عقل على «أهمية وضرورة وجود عناصر من قوى الأمن الداخلي في أماكن معينة على الأوتوستراد، إذ من شأن ذلك التخفيف من الحوادث والسرعة»، مشيرا إلى انه «تسجل في شكل يومي حوادث عدة على الأوتوستراد، وتؤدي إلى ضحايا وإصابات عدة».
واعتبر «اننا ندفع غاليا على الطرقات ثمن غياب الدولة وعدم تطبيق قانون السير»، لافتا إلى «ان هذا الأوتوستراد شريانا حيويا مهما بين بيروت والجنوب، ويتطلب رعاية واهتماما أكبر من الدولة».