بيروت ـ بولين فاضل
في لبنان راهنا رياح من نوعين، رياح باردة في الأجواء بفعل طقس فبراير البارد والمثلج، ورياح تفاؤل هبت على المودعين وأثلجت صدورهم بفعل أكثر من عامل مستجد.
وإذا كانت كل المؤشرات منذ وقوع الانهيار الاقتصادي والنقدي في لبنان في العام 2019، وفي ضوء الخطط الاقتصادية الأربع التي قدمت منذ ذلك الوقت، قد صبت في اتجاه إلحاق الظلامة بالمودعين وجنى عمرهم إلى حد التفكير بشطب ودائعهم، فإن ثمة ما طرأ مع بداية العهد الرئاسي الجديد وخطاب القسم («عهدي ألا أتهاون في حماية أموال المودعين»)، وفي ظل الكلام الأخير للرئيس نواف سلام («شطب فكرة شطب الودائع») وتوجهات صندوق النقد الدولي، يدعو إلى التفاؤل بحل منصف للمودعين بعد طول تشاؤم.
في هذا الإطار، قال الخبير والكاتب الاقتصادي أنطوان فرح في حديث إلى «الأنباء» إنه «من الواضح أن معنويات المودعين أضحت اليوم أفضل، لأنه باتت هناك دولة بكل معنى الكلمة منذ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة. وهذا مناخ جديد يبشر بمشهد جديد يعطي أملا للمودعين».
وأكد أن «مواقف رئيسي الجمهورية والحكومة جوزف عون ونواف سلام ووزير المالية ياسين جابر، حملت تأكيدات بالتزام إيصال المودع إلى حقه، وهذا ما يرفع من معنويات المودعين وآمالهم».
وأضاف فرح «من الأمور الأخرى المستجدة أن صندوق النقد الدولي الذي كان يرفض فكرة إنشاء مؤسسة أو صندوق يعنى بإعادة جزء من الودائع الكبيرة من خلال مساهمة الدولة فيه، عاد ووافق على ذلك، علما أن هذه المساهمة هي مساهمة غير خيرية بطبيعة الحال، لأن الدولة ملزمة بدفع جزء من ديونها بالتقسيط لتمويل الصندوق، فضلا عن اعتراف المسؤولين أنفسهم بأهمية مساهمة الدولة، لأن المشكلة الأساسية في السابق كانت في اعتبار الدولة نفسها غير معنية بلعب دور الشريك الأساسي في حل أزمة المودعين بالرغم من أنها من أنفق الأموال وأهدرها».
وعن تخوف البعض من وجود وزراء في هذه الحكومة هم مساهمون في المصارف، رأى فرح أن «ما من داع للخوف في ضوء القناعة اليوم بأن المسؤولية الأولى والأهم في هذا الملف تقع على عاتق الدولة قبل أن تتفرع إلى مصرف لبنان ثم إلى المصارف»، مشيرا إلى أن «الخطط السابقة تحدثت عن إعفاء مصرف لبنان من التزاماته المالية، ما يعني شطب الديون المترتبة عليه، وبالتالي شطب أموال المودعين بطريقة غير مباشرة، فيما تبدل اليوم هذا التوجه لأن الدولة تضحك على شعبها حين تتحدث عن عملية الشطب هذه».
وقال إن «الدولة مدركة اليوم أن مسؤوليتها هي تحديد حجم ما يمكن أن تعيده من ديون أو أموال كانت وضعت يدها عليها، ليتمكن حينها مصرف لبنان من دفع المطلوب منه إلى المصارف التي بدورها تصبح قادرة على إعادة الودائع»، وأضاف «بهذه الطريقة ستصاغ خطة إعادة الودائع، وأعتقد أن هناك مشروع خطة من هذا النوع تبلورت خطوطه العريضة لدى مصرف لبنان الذي سيقدمه إلى الحكومة».
وعن إمكان حصول تغيير في التعميمين 158 و166 في انتظار إقرار الحكومة خطة التعافي الاقتصادي وإعادة هيكلة المصارف، قال فرح إنه «لا يعتقد أن تغييرا سيطرأ على هذين التعميمين المتعلقين بدفع الودائع الصغيرة بالتقسيط الشهري، إلا في إطار خطة شاملة للودائع يقدمها مصرف لبنان وتتبناها الحكومة، فيحصل رفع للدفوعات الشهرية بحيث يصل مبلغ الـ 300 أو الـ 400 دولار وفق التعميم 158 إلى الف دولار أو أكثر بقليل شهريا في إطار دفع الودائع».
تلتقي الآراء على أن التحدي الأكبر أمام حكومة العهد الأولى هو معيشي اقتصادي، الفصل الأول فيه هو حل أزمة المودعين وإعادة بناء القطاع المصرفي واستعادة الثقة به، فهل يمر تحدي الحكومة بسلام وتنتصر العدالة في أصعب الملفات؟