الفكاهة العفوية الحقيقية هي واحدة من أمتع أنواع الكوميديا وأكثرها صعوبة، فهي رقيقة ولها جمهور كبير، ولا يكفي أن تكون مجرد عشوائية خيالية، بل يجب أن تنبع من روح مرحة مع لمسة ذكية، وهذا بالضبط ما يقدمه فيلم Dog Man، المستوحى من سلسلة الروايات المصورة الشهيرة للكاتب داف بيلكي، حيث يمزج بين الكوميديا والأكشن والمشاعر بأسلوب مليء بالحيوية والحركية يجعله يبدو وكأنه مصنوع بسهولة تامة.
قام بإخراج الفيلم وكتابة السيناريو بيتر هاستينغز، الذي عمل سابقا مع بيلكي على مسلسل «Captain Underpants»، وهو خبير في ذلك النوع من العبثية المرحة التي تستهوي كل من الأطفال والبالغين، وكما يصف هاستينغز أعمال بيلكي بـ «الفوضى المرحة»، فإنهما يعرفان تماما أن الجمهور يريد رؤية الأبطال وهم ينقذون الموقف، حتى لو كان ذلك بطريقة مليئة بالسخافة المحببة.
التصميم البصري للفيلم ملون وحيوي، يتماشى تماما مع نغمة القصة، حيث يجمع بين أنسجة ثلاثية الأبعاد واقعية لرأس Dog Man وخطوط كرتونية بسيطة تبرز تعابير وجهه، هذا التوازن بين البساطة والواقعية يخلق تأثيرا بصريا فريدا يضفي طابعا كوميديا على الأحداث، أما الفكاهة فتتراوح بين نكات طفولية خفيفة وإشارات ذكية سيلتقطها الكبار، مثل اللافتات الساخرة على المباني، والإشارات لأفلام كلاسيكية مثل «Apocalypse Now».
بعد عرض فيلم قصير عن شخصيات «Bad Guys» وهم يواجهون سلسلة من الكوارث في طريقهم إلى مقابلة الضابط المسؤول عن الإفراج المشروط، ننتقل إلى مدينة «أوهكاي» هناك يخوض الضابط «نايت» وكلبه الوفي «غريغ» معركة ضد الجريمة، إلى أن يؤدي انفجار قنبلة إلى إصابتهما بجروح بالغة، وأثناء العملية الجراحية، تقترح ممرضة (ماجي ويلر، الشهيرة بدور جانيس في Friends) أن الحل الأفضل لإنقاذهما هو دمج رأس الكلب مع جسد الشرطي، وبفضل الطريقة الكوميدية التي يعرض بها الفيلم أحداثه، يبدو هذا القرار منطقيا أكثر مما يفترض.
يحمل الشرطي الجديد اسم «Dog Man»، ويتعين عليه التكيف مع وضعه الغريب، ويكتشف أن صديقته قد تركته، وأن منزله معروض للبيع، فينتقل إلى كوخ صغير، الذي يبدو أكبر من الداخل مما هو عليه في الواقع، ويميل البطل إلى جانب الكلاب فلا يستطيع مقاومة مطاردة الكرات التي ترمى له، وفي الوقت نفسه يشعر رئيس الشرطة (ليل ريل هاوري) بالغيرة من الشعبية التي يحظى بها «Dog Man»، خاصة بعد أن لفت انتباه مراسلة الأخبار التلفزيونية سارة (إيسلا فيشر)، التي يكن لها مشاعر إعجاب، لكن الشرطي الجديد لديه مهمة أكبر وهي القبض على بيتي (بيت ديفيدسون)، القط الأكثر شرا في العالم، والذي يمتلك مختبرا سريا (رغم وجود لافتة ضخمة عليه كتب عليها «مختبر سري»)، ومع تردد رئيس الشرطة، فإنه يأمر «Dog Man» بمطاردة بيتي «حتى لو استغرق الأمر مونتاجا كاملا»، وبالفعل، نحصل على سلسلة من المطاردات والهروب في مشهد سريع ممتع.
تأخذ القصة منعطفا عاطفيا عندما يقرر «بيتي» أنه بحاجة إلى استنساخ نفسه، يطلب آلة استنساخ، يستخدم إحدى شعيراته، لكن بدلا من إنتاج نسخة شريرة منه، يحصل على «بيتي الصغير» (لوكاس هوبكنز كالدرون)، الذي لا يحمل أي نزعة شريرة على الإطلاق، بل هو مجرد قط صغير محب للاستكشاف والعناق، هنا تبدأ التحولات العاطفية، حيث نرى «بيتي» ينتقل من الإحباط إلى تعلم معنى الحب والمسؤولية، ما يضيف للقصة لمسة إنسانية قوية وسط كل الجنون الكرتوني، لكن لا يمكن أن تكتمل القصة دون شرير أكثر شراسة، وهنا يظهر الشرير الجديد وهو عبارة عن سمكة معدلة وراثيا تدعى «فليبي»، والتي تمتلك الميزة الأساسية لأي شرير سينمائي حقيقي، لكنتها البريطانية، التي يؤديها بشكل رائع «ريكي جيرفيه».
يحتوي الفيلم على العديد من النكات السريعة والإشارات الذكية التي تجعل المشاهدين يرغبون في مشاهدته أكثر من مرة، من ضمنها: إشارة فكاهية إلى أن مدير السجن هو شقيق رئيس الشرطة، وظهور خاطف لشخصية «Big Jim»، إحدى الشخصيات المحبوبة من كتب «Dog Man»، وكذلك تلميح للمخرج داف بيلكي، الذي يعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط وعسر القراءة، من خلال جملة موجهة للأطفال الذين «طردوا من الفصل وقضوا وقتهم في رسم الكوميكس»، وأيضا احتوى الفيلم على نسخة «مناسبة للأطفال» من جملة «Die Hard» الشهيرة، كما أن مشاهد الحركة، مثل قتال «بين مبان» المتحركة والتي تحمل مزيجا رائعا من الإثارة والكوميديا، ما يجعلها ممتعة لجميع أفراد العائلة.
إلى جانب المتعة الكوميدية، يقدم الفيلم مواضيع تستحق النقاش، مثل تساؤل بيتي: «كيف يمكنني أن أكون صانعك، ومع ذلك لا تكون مثلي؟»، وهو تأمل في تأثير التنشئة والطبيعة البشرية، بالإضافة إلى ذلك، يستكشف الفيلم الاختلافات بين نظرتي «Dog Man» المتفائلة (المليئة بقوس قزح وحلوى المصاصات) ونظرة «بيتي» المشبعة بالخوف والغضب، ما يعكس كيف يمكن لوجهات النظر المختلفة أن تشكل سلوك الأفراد.
مع وجود 13 كتابا آخر في السلسلة حتى الآن، يبدو أن هذا الفيلم مجرد بداية لسلسلة سينمائية واعدة، ومع هذا المزيج الرائع من الكوميديا، الحركة، والمشاعر، فإن الترقب لما سيأتي بعده بات أمرا حتميا!