- المذكور: الاستيلاء عليه سرقة لحق الدولة والمواطنين ومن يثبت عليه يقدم للمحاكمة
- الناشي: على الدولة معاقبة من يتعدى على المال العام واسترداد الأموال المسروقة
- المزروعي: التعدي على المال العام نهب لمقدرات الأمة بأكملها وخيانة لها
يعد الاستيلاء على المال العام بالاستحواذ وأخذه بطريق التدليس أو الغش جريمة يعاقب عليها فاعلها فما رأي الشرع في ذلك؟
حرام
يقول د. خالد المذكور: المقصود بالمال العام في عصرنا الحاضر هو أموال الدولة الذي تصرفه على الخدمات التي تؤديها لمواطنيها من تعليم وصحة وخلاف ذلك، وهذا المال العام له ضوابط لصرفه وفق القوانين واللوائح التي وضعت لذلك بل في كل دولة، وهناك وزارة تسمى وزارة المالية، وهناك ميزانية للدولة تحدد الإيرادات والمصروفات، وشرعا يحرم الأخذ من المال العام وفق مفهومه المعاصر لأنه سرقة لحق الدولة ولحقوق مواطني الدولة، وهناك رقابة مالية ومحاسبون لجميع الجهات الحكومية، ومن يثبت عليه سرقة شيء من المال العام يقدم للمحاكمة سواء كانت السرقة بالاختلاس أو بالتزوير أو بالرشوة أو بالاستغلال، فكله حرام شرعا، والله أعلم.
عقوبة شديدة
من جهته، قال الكاتب الإسلامي سالم الناشي: لا يجوز التعدي على الأموال العامة بأي حال من الأحوال، كما لا يجوز التصرف فيها في غير مصارفها الصحيحة، كما لا يجوز تبذيرها، ومن هنا ندرك انه يجب المحافظة على الاموال العامة، وانفاقها فيما يحقق المصالح العامة للدولة والأفراد، والتعامل معها بطريقة حكيمة من خلال تنميتها واستثمارها، وإخراج الزكاة منها.
والواجب على من تحته مال من الاموال العامة مراقبة الله سبحانه فيها والخوف من عقوبة استغلالها بطرق غير مشروعة، والا يستعمل ما تحت يده إلا بما أباحه القانون وأذنت به الدولة، وأقره الشارع الحكيم.
ويجب على الدولة تحسين الأداء في إدارة المال العام وحمايته من الهدر والفساد.
ولقد حث القرآن الكريم على الاقتصاد وعدم التبذير، ووصف المبذر بأنه أخ الشيطان؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، والحكومات هي حارسة للمال، راعية ليس لها أن تأخذه دون سبب، ولا تنفقه دون داع.
لذا قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: «وغاية ما عند الحكومة أن توزع بيت المال على المستحقين»، وبهذا حدد دور الحكومة في إدارة المال والرقابة عليه.
وحرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله: بيت مال المسلمين اعظم من ملك واحد معين؛ وذلك لأن سرقته خيانة لكل مسلم»، بخلاف سرقة أو خيانة رجل معين فإنه بإمكانك أن تتحلل منه وتسلم.
وتأمل عقوبة من استولى على القليل من المال العام دون وجه حق، من قوله صلى الله عليه وسلم، فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، قال صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر»، ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت» (ثلاثا).
كما أن من يستولي على الاموال، له عقوبة شديدة يوم القيامة، فانظر قول صلى الله عليه وسلم: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين».
وأن عقوبة من أخذ شبرا أي حوالي 10 سم فإنه يطوق من سبع أرضين! وليس هذا فحسب بل من غيّر علامات أرض ليزيد في أرضه وينقص من أرض جاره فهو ملعون عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من غيّر منار الأرض». ولا شك ان الاراضي من الاموال وقد تكون من الاموال العامة.
كما يجب على الدولة معاقبة ومحاسبة من يتعدى على المال العام، فضلا عن استرداد الاموال المسروقة، وأيضا التأكيد على أن الاموال لا تذهب بالتقادم بل يجب استردادها، ومن غش أو زور وترتب على ذلك امتيازات يجب أن تؤخذ منه هذه الامتيازات ويعاقب على فعلته في مخالفة القانون، وعلى الدولة سن القوانين والتشريعات للمحافظة على المال العام وتنميته، كما عليها أن تختار الاكفاء والامناء لتولي المناصب المتعلقة بالأموال العامة.
مقدرات الأمة
من جهته، قال د. حمد المزروعي: الكلام عن حرمة المال وعدم جواز الأخذ منه من أهم المواضيع في هذا الوقت لانتشار السرقات والاختلاسات المالية المليونية في حق الشعوب ومدخراتها دون اي حساب أو عقاب يذكر، وأكد د. المزروعي ان التعدي على المال العام يعتبر نهبا لمقدرات الامة بأكملها وخيانة لها، فعلى كل واحد مهما كان منصبه أن يراقب الله في المكان الذي ولي عليه، فلا يجوز له أن يأخذ أي مبلغ قل أو كثر دون حق، فالحرام حرام مهما كان حجمه، قال الله تعالى (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)، وقال أيضا: (ولا يظلم ربك أحدا).
فالكل سيحاسب يوم القيامة على مال اختلسه أو رشوة قدمها او معاملة عطلها من أجل مصلحة دنيوية (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى)، وحسبنا الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»، نعوذ بالله من الحرام ووسائله، ونسأل الله ان يكفينا بحلاله عن حرامه ويغنينا بفضله عمن سواه.