عادت طبول الحرب لتقرع من جديد، وهذه المرة بمخاطر أعلى بعد أن أصيبت الأسبوع الماضي منشأتان نفطيتان سعوديتان عطلت نحو نصف الإنتاج النفطي السعودي.
ولحقت هذه الأخبار أنباء عن رفع الاستعداد الى أقصى الدرجات لحماية المنشآت النفطية الكويتية. مثل هذه الأخبار تدفع أي مستثمر الى الهروب بأقل قدر من الخسائر، وهو ما حصل فعليا، حيث انهارت البورصة الأسبوع الماضي، بعد أن نزف مؤشر السوق العام بنسبة 3.4%، والحال نفسه للسوق الأول بنسبة تقارب 4% ومؤشر السوق الرئيسي بنسبة 2%، ويعتبر هذا الهبوط الأدنى منذ شهر مارس الماضي، بحسب بيانات شركة الاستثمارات الوطنية.
المشكلة التي تواجه المستثمرين في أسواق الخليج أنهم يعيشون في منطقة ساخنة، وهم يدركون ذلك، ويعلمون أن البورصات الخليجية تذبذب كثيرا على وقع سخونة الملفات السياسة.
لكن في كل مرة يتفاعلون مع الأزمات الجيوسياسية كما لو كانت جديدة أو طارئة. فالمنطقة تعيش فعليا حربا، وهو امر معلن من التحالف الخليجي في الحرب في اليمن، وهناك حروب في سورية، والعراق قبلها، وثورات بدأت في العام 2011 وما زالت تتجدد كل مرة بسورية والجزائر وتونس وليبيا بشكل أو بآخر.. إذن ما الجديد الذي يدفع كل مرة المستثمر الى سحب استثماراته سريعا من البورصة الكويتية؟ هل يتوقع مثلا وضعا افضل وسلاما دائما كما لو اننا نعيش في السويد او سويسرا؟ هل هذا تكتيك استثماري صحيح بأن يبيع الشخص كل أسهمه وبخسارة بانتظار خبر ان «الأمور تمام» ثم يعود الى شراء الأسهم من جديد بأسعار مرتفعة؟
إذا كان الاستثمار غرضه المضاربة وليس بناء مركز مالي على سهم لفترات طويلة، فهنا يمكن فهم عمليات البيع والشراء السريعة، وهي خاسرة بمعظمها، بطبيعة الحال، في ظل الأوضاع الجيوسياسية المتذبذبة.
لكن ان يضع مستثمر ما أمواله كادخار في اسهم لفترات طويلة على أمل ان يحصد عوائد سنوية ويجني الثمار بعد 5 او 10 او حتى 15 سنة، فما الذي يدفعه الى بيع هذه الأسهم عند اول مدفع وأول تسريبات عن احتمالات الحرب؟
من المفارقة أن المستثمر الأجنبي يتعامل بحيادية مع الاخبار الجيوسياسية، وهذه إشارة الى أن المستثمر الاجنبي الذي وضع أمواله في السوق الكويتية على المدى البعيد، لا ينظر الى أحداث معينة ويلاحقها ويغير خطته من خلالها، بل هو وافق على الانكشاف على سوق مليئة بالمخاطر الجيوسياسية، وضمنيا وافق على خسارة هذه الاموال اذا ارتفعت المخاطر.
وصحيح أنه من غير المنصف قياس الاستثمار الاجنبي المؤسسي الذي تقوم به صناديق عالمية محترفة لديها المليارات، مع أفراد مستثمرين جنوا أموالهم ووضعوها في بورصة معرضة لتذبذبات عالية، لأنه ليس لديهم فرص اخرى كثيرة لحفظ الثروة وتنميتها، لكن نموذج عمل المستثمر المؤسسي يوضح للمستثمر الفرد أن هذا النمط هو الأنسب في لعبة الأسهم، حتى لو انك ستفترض السيناريو الأسوأ، وهو اندلاع حرب وخسارة كل أموالك.
فالمراهنة على المدة الطويلة، التي قررت في البداية أن تستثمر أموالك فيها، لا بد ألا تتغير مع كل موجة ارتفاع او هبوط للبورصة عنيفة. واذا كان المستثمر الذي وضع أمواله في السوق الكويتية او الخليجية يعلم بالمخاطر الجيوسياسية، فعليه ألا يغير خطته على وقع أخبار غير مؤكدة او أن يأخذ استثماراته الى أصول بمكان آخر أكثر أمانا.
وإشارات الإدارة الأميركية واضحة في عدم خوض غمار حروب عسكرية في الخليج او في اي مكان بالعالم، فهي تناور تجاريا مع الصين، وتفاوض سياسيا مع كوريا الشمالية، وتضغط اقتصاديا على ايران، وتغير علاقاتها التجارية البينية مع حلفائها الاستراتيجيين في فرنسا وألمانيا وكندا والمكسيك، فهل ما زلنا نصدق اخبارا بأن حربا ستنشب؟
boumeree@
[email protected]