تابعت تطور أعمال الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة منذ تأسيسه قبل 6 سنوات.
ومنذ اليوم الاول كانت هناك مشكلة في الصندوق في نموذج أعماله، لأن مشكلته الأساسية انه يركز على وجود المال، ويستثني أمورا اخرى مهمة لإنجاح المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
والمال السهل هو مشكلة دائما وليس حلا، فعندما تركز على وجود المال للمبادر يصبح ذلك كل همه، ويلف ويدور لكي يقدم مشروعا يمكن من خلاله الحصول على هذا المال.
المشكلة الأكبر أن الإدارات المتعاقبة على الصندوق شعرت بذلك، فصعبت المهمة على المبادر، وهنا دخلنا في النوايا، وتمت معاقبة المجتهد الذي لديه مشروع حقيقي بحجة ان هناك كسولا لديه مشروع فاشل، فتمت مساواتهما بكيفية الحصول على المال.
يمكن أخذ نموذج السيليكون فالي، حيث تبتكر معظم الأفكار الجديدة والمشاريع الناجحة، للتأسيس عليه، فالسيليكون فالي ليس منطقة ثرية لكنها دائما تنتج أفكارا مميزة.
هناك ما يعرف بالنظام الايكولوجي او Ecosystem الذي يوفر معطيات عدة تنجح المشاريع، ليس المال من بينها بشكل رئيسي.
وأهم أركان هذا النظام هو العلم وليس المال. ففي السيليكون فالي هناك جامعتا «ستانفورد» و«بيركلي»، وهما بين أقوى جامعات العالم التي يبتكر طلابهما المشاريع الناجحة.
وهما تقعان في ولاية كاليفورنيا، ولاية الانفتاح وتقبل الآخر والتعددية والحريات في أميركا، لذا هناك مناخ عام ايضا يسمح بالإبداع والابتكار.
وهناك الأمر الأهم، وهو تعليم الطلاب على أن الفشل أمر عادي، لا بل مطلوب أحيانا لتعزيز تجربة المبادر. وفي نهاية المطاف هناك المال، وهناك الكثير منه في السيليكون فالي، لكنه يأتي لاحقا وليس سابقا.
وعندما يأتي ذكر الصندوق الوطني يتم الحديث انه «ملياري»، وكأنها صفة مميزة وغير موجودة، (مع ان صناديق مليئة بالمليارات تقف بالصف في الشارع الملاصق لستانفورد)، لذا فان المال غير مهم بل ربما معرقل. فالمال لا ينجح المشروع الصغير، الفكرة نفسها هي التي تنجحه.
وحاليا مال الصندوق يخوف المبادرين من الفشل تحت تهديد انهم سيسددون المبالغ التي اقترضوها من الصندوق حتى لو فشل مشروعهم! فعليا هذا المال لا يقدم خدمة للمبادر، وإنما يضعه تحت ضغط نفسي للنجاح، واذا فشل سيتحول الى الوظيفة الحكومية المستقرة ويلعن فكرة المبادرة من أساسها وسيخسره القطاع الخاص والاقتصاد.
ويصبح المبادر صاحب الفكرة الناجحة تحت ضغط الوقت والحاجة والخوف، بينما الانتهازي صاحب مشروع «اي كلام» مرتاح لأن غرضه هو سحب مال الصندوق، وعندما يعلن فشله يعود للوظيفة الحكومية لتستمر حياته بهدوء ورتابة الوظيفة المستقرة.
بينما الوضع ليس كذلك في «السيليكون فالي»، حيث يصبح صاحب المشروع الفاشل نقطة مضيئة في السوق، اذ ستكون لديه تجربة مميزة حصدها من فشله، تساعده على النجاح بمشروع آخر او دخول مع آخرين بمشاريع اخرى وإنجاحها عبر إضافة تجربته.
وإذا كانت هناك أموال كثيرة في الصندوق الوطني، فالأفضل استثمارها في التعليم، وهناك تجربة ناجحة للكويت في إرسال الطلاب للخارج لتعليمهم، فلتكن فكرة الصندوق بالتعاون مع جامعات عالمية لارسال المبادرين للتعلم أو فتح قنوات اتصال مع أساتذة لتدريب المبادرين على الأفكار والمشاريع والأخذ بنصيحتهم كمجلس استشاري.
فمثلا، في «ستانفورد»، تبني صناديق الثروات والملكية الخاصة، المليئة بالمليارات، علاقات خاصة مع أساتذة الجامعات، وهؤلاء الأساتذة يوجهون الاستثمارات نحو الأبحاث المميزة.
boumeree@
[email protected]