نجحت الضغوط الدولية والتلويح بعصا العقوبات والحرمان من المساعدات، في إجبار الانقلابيين على التراجع، حيث وقع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذي عزله قبل نحو شهر، اتفاقا سياسيا أمس أعاد الأخير إلى منصبه وألغى قرار إعفائه ووضعه رهن الإقامة الجبرية عقب انقلاب 25 أكتوبر الماضي، فيما أعلن تحالف قوى «الحرية والتغيير» وتجمع المهنيين رفضهما للاتفاق، مجددين التأكيد على موقفهما المعلن بأنه «لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين».
ونص الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في القصر الجمهوري وسط العاصمة الخرطوم، وبث تفاصيله التلفزيون الرسمي، على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذين احتجزوا خلال الانقلاب، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام، فضلا عن الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي.
وأكد الاتفاق، الذي تضمن 14 بندا، أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية، مع مراعاة الوضعية الخاصة بشرق السودان، والعمل معا على معالجتها في إطار قومي يضمن الاستقرار بصورة ترضي أهل الشرق.
وشدد على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكل مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.
وأوضح الاتفاق أن الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، وبناء على ذلك اتفق الطرفان العسكري والمدني على تنفيذ الشراكة بروح وثقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط).
وتضمن الاتفاق أن يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفا على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية، دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي، مع ضمان انتقال السلطة الانتقالية في الموعد المحدد لسلطة مدنية منتخبة. وقال رئيس الوزراء العائد لمنصبه مجددا عبدالله حمدوك عقب توقيع الاتفاق مع قادة الجيش، انه يهدف لإعادة البلاد إلى الانتقال الديموقراطي وحقن الدماء بعد مقتل شبان سودانيين خلال احتجاجات على سيطرة الجيش على السلطة، مشيرا الى ان الاتفاق الجديد يفتح الباب لمعالجة قضايا الانتقال، ويحصن التحول المدني الديموقراطي في السودان.
واضاف «تم إنجاز الكثير من الأمور عبر هذه الشراكة في العامين الماضيين، لكن تظل هناك تحديات»، لافتا إلى أنه يريد بالتوقيع على هذا الاتفاق السياسي حقن الدماء السودانية والمساعدة على فك الاختناق الداخلي والخارجي واستعادة الطريق إلى تحقيق الديموقراطية، والحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين.
من جهته، أكد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان أن الاتفاق السياسي يؤسس تأسيسا حقيقيا لاستكمال الفترة الانتقالية بصورة توافقية.
وقال البرهان في كلمة عقب توقيع الاتفاق «لقد أسسنا تأسيسا حقيقيا للفترة الانتقالية كما تخيلها الشعب السوداني في بداية التحول»، لافتا إلى أن هذا الاتفاق هو واحد من خطوط الدفاع عن الثورة. وشدد على أنه لا رغبة في إقصاء أحد إلا «المؤتمر الوطني» المنحل، قائلا «نريد شراكة حقيقية مع كل القوى السياسية الوطنية».
وأشار البرهان إلى أنه على عهده مع الشعب السوداني باستكمال المسار وصولا إلى انتخابات حرة نزيهة، كما أعرب عن شكره للدكتور عبدالله حمدوك، مشددا على أن الأخير«ظل دائما محل ثقتنا وتقديرنا واحترامنا»، لافتا إلى حجم التضحيات والتنازلات التي قدمت من كل الأطراف لحقن دماء الشعب السوداني والحفاظ على الفترة الانتقالية.
لكن الاتفاق الجديد قوبل برفض قوى إعلان الحرية والتغيير وهي الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات المناهضة للرئيس المخلوع عمر البشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة في العام 2019 مع الجيش.
وقالت هذه القوى في بيان «نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقا بأنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب» وطالبت بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية بقمع المتظاهرين وقتلهم. كما أعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب دورا محوريا خلال الانتفاضة التي أدت إلى اسقاط البشير في ابريل 2019، رفضه للاتفاق بين حمدوك وقادة الجيش، داعيا الى التظاهر المستمر على مدار الأسبوع. بالتوازي، تظاهر آلاف السودانيين ضد الانقلاب في العاصمة ومدينتي كسلا وعطبرة في شرق وشمال البلاد.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين خرجوا مساندين للحكم المدني قرب القصر الجمهوري بوسط الخرطوم حيث هتفوا «يسقط يسقط حكم العسكر»، فيما قتل متظاهر واحد على الأقل برصاص بالرأس بأم درمان.
وحظي التوقيع بترحيب عربي ودولي. وأعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان بثته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، عن الامل في استعادة المؤسسات الانتقالية وصولا الى الانتخابات بموعدها المحدد وتشكيل حكومة كفاءات لدفع العملية الانتقالية للأمام والإسهام في تحقيق تطلعات الشعب السوداني وبما يحافظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية المتحققة ويحمي وحدة الصف بين جميع المكونات السياسية السودانية.
بدورها، رحبت مصر بتوقيع الاتفاق السياسي، مشيدة بـ «الحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل الى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا».
كما رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط بالاتفاق، واعتبر الإعلان السياسي المصاحب له «نتيجة لجهود سودانية ضخمة ومتواصلة مدعومة عربيا ودوليا بذلت على مدار الأسابيع الماضية للخروج من الأزمة التي شهدتها البلاد وإنجاح الفترة الانتقالية وصولا الى عقد الانتخابات في ختامها».