شهر رمضان ليس كغيره من الشهور، فيه تشف النفوس وترق القلوب وتتسع دائرة التفكر بهذا الكون وخالقه العظيم، بسبب ما يعانيه المسلم من حرمان من الطيبات، فيستمر صائما ومسائلا نفسه عن سبب الصيام، فيأتيه الجواب من الملك العليم العلام ببركة هذا الشهر لنزول القرآن، ففيه قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة: 185)، وبما أن للصيام أثرا واضحا على الجسم، والجسم مركب الروح والنفس، فما يحصل للجسم من تغير يسري تأثيره في نفس المؤمن الصائم فيرق قلبه ويدفعه لفعل الخيرات تجاه الآخرين، فيتذكر أخاه المؤمن الفقير، وكذلك المؤمن المريض يتسارع إلى مد العون للفقير ويتجه لعيادة المريض، كما يتذكر المؤمن الصائم آيات كتاب الله التي تبين أن المؤمنين إخوة، وكذلك يتذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما فيها من وعظ وتوجيه، فتلاوته كتاب الله تذكره بمعانيه السامية، فينطلق للعمل بما فيها من أوامر يتجلى فيها التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع المسلم، ويتذكر ما ورد في الأحاديث التي تبين حق المسلم على المسلم فيندفع وهو بغاية الشوق لزيادة رصيده من الحسنات من مثل تعزية بفقد عزيز أو عيادة مريض أو إصلاح بين الناس، كل ذلك تظهر فيه الروح الإيمانية العالية التي تتبدى بأبهى حللها النورانية في هذا الشهر، فالمساجد تعمر، والعواطف الإيمانية تجيش فتطفح بها القلوب لترتسم على الشفاه بسمات الرضا بهذا الإيمان العظيم بمنافع شهر الصيام وخيرية الإسلام التي تتدفق في كل حين من عمر المؤمن، فعلينا التواصل مع الاخوة والأصحاب وتفقد أحوالهم والاستجابة لكل ما يلزم من مشاركة بالخير، وكذلك على المسلم ألا ينسى إخوة له في بلاد المسلمين الفقيرة، أو من حلت بهم القوارع والفتن والجوع والكوارث والنكبات فيساعدهم بقدر طاقته، فيا عبد الله سارع وبادر.
ومن درر القوافي:
مضَى رمضان أو كأني به مضَى
وغاب سَناهُ بعد ما كان أوْمَضا
فيا عهده ما كان أكرمَ مَعهدًا
ويا عصْرَه أعْززْ عليَّ أن انقضى
ألمَّ بنا كالطَّيف في الصَّيف زائرًا
فخيَّم فينا ساعةً ثم قوَّضا
فيا ليتَ شِعري إذ نوى غُرْبة النَّوى
أبالسُّخط عنَّا قد تولَّى أم الرِّضا
وكم من يدٍ بيضاءَ أسدى لذي تُقًى
بتَوْبته فيه الصَّحائف بيَّضا
وإن قضيتَ قبل التفرُّق وقفةً
فمقضيها من ليلة القدرِ ما قضَى
فيا حُسنُها من ليلةٍ جلَّ قدرُها
وحضَّ عليها الهاشميُّ وحرَّضا
لعلَّ بقايا الشهر وهي كريمةٌ
تُبَين سرًّا للأواخر أُغْمضا
وقال اطلُبوها تسعدوا بطِلابها
فحرَّك أربابَ القلوب وأنهضا
جزاهُ إلهُ العرش خيرَ جزائه
وأكرَمنا بالعفو منه وبالرِّضا
فللَّه من شهر كريمٍ تعرَّضت
مكارمه إلَّا لمن كان أعرضا