اعلم أيها الودود أن العبد المؤمن يحدث نفسه دائما هل الله راض عنه؟، هل طاعته مقبولة؟ هل هو على طريق الاستقامة؟ فكل من رضي بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً يشعر بالرضا في نفسه، ولكن كيف نكسب رضا الله سبحانه؟
إن من يتفحص سلوك الصحابة، رضي الله عنهم، في توحيدهم وطاعتهم وعبادتهم والوفاء لهذا الدين ونصرة نبيهم ورضاهم بما شرع لهم وتحقيق ذلك عمليا، يدرك أنهم استحقوا منزلة الرضا من الله، لأنهم أفردوا الله بتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وشهدوا لنبيهم بالرسالة واستجابوا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهداهم الله ووفقهم للطاعة وشرح صدورهم للتوحيد والإيمان وزادهم هدى وآتاهم تقواهم، وبذلك نالوا رضا الله سبحانه، فرضي الله عنهم ورضوا عنه.
قال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد: 17)، وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) (التوبة: 100)، وقال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) (الفتح: 18).
يتبين لنا من الآيات السابقة أن الله سبحانه إذا رضي عن فئة من المؤمنين فإنهم يرضون عنه ورضا الله أكبر، قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر) (التوبة: 7)، وإن الرضا عن الله من المقامات العظيمة ينبغي للمؤمن أن يسعى إلى تحقيقها، فمن أحسن الرضا عن الله جل ثناؤه جازاه الله بالرضا عنه.
والرضا ثلاث درجات: الأولى بالله رباً ورفض عبادة غيره، وهذا الأصل الأصيل في الإسلام، أن يكون الله أحب شيء للعبد، وأن تكون محبة غيره تابعة لمحبته.
والثانية الرضا عن الله وهو الرضا في كل ما قضى وقدر، فالرضا به متعلق بأسمائه وصفاته، والرضا عنه متعلق بثوابه وجزائه، فمن لم يرض به ربا لم يصح له إسلام ولا عمل ولا حال.
والثالثة: الرضا برضا الله، فكل ما يرضى به الله يرضى به العبد، فالرضا بالله يتضمن محبة الله وحده، والثقة به، والإنابة إليه والخوف منه ورجاءه، والرضا بالإسلام يتضمن اتباع الشرع بأوامره ونواهيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» رواه مسلم (34).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه» رواه مسلم (386).
من الحديثين السابقين نستنتج أن الرضا أمر مطلوب من العبد المؤمن، أولا الرضا عن الله وبالله، وثانيا الرضا بدين الإسلام وبمحمد نبياً، فالرضا بالله يشمل الرضا بالأحكام الشرعية والقضايا الكونية، والرضا بالإسلام دينا، يفيد التبرؤ من غيره وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً يلزم منه قبول مراتب الإيمان كلها.
قيل ليحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه، فيقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت.
ومن علامات رضا الله عن العبد أن يملك العبد نفسه عند المصائب، فلا يجزع ولا يسخط ويرضى بما قدر الله وقضى، قال تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (البقرة: 177).
وها هي أم إسماعيل عليه السلام بعد أن تركهما إبراهيم صلى الله عليه وسلم في واد غير ذي زرع وترك معهم شنة ماء فالتفتت إليه وقالت: إلى من تتركنا؟ قال إلى الله، قالت رضيت بالله.
ومن علامات رضى الله عن العبد أن يعمل العبد كل ما يحب ربه، ويبتعد عن كل ما يسخط ربه، فالله سبحانه يحب من يؤدي الصلاة في وقتها ويحب بر الوالدين، ويحب الجهاد في سبيله، ويبغض المتكبر والفاحش المتفحش.
وما أجمل الرضا بكل أبعاده ما دام مقيدا بالإيمان، فالنفس الراضية تعيش مع الناس بتآلف وتحابب وتحب الآخرين، والآخرون يبادلونها نفس الشعور، أما النفس الساخطة فتشقي ذاتها وتشقي من عاشرها.
وفي هذا الشهر المبارك شهر الصيام تزداد النفس رضا وسكينة بأداء العبادة من صيام وصلاة وصدقة وتلاوة القرآن وبر وإحسان، اللهم وفقنا لرضاك.
وعدم الرضا عن الله في تشريعه يعتبر رفضا لأمر الله، فالدين كل متكامل لا يصلح أن نأخذ بقسم منه حسب أهوائنا ونترك ما تبقى بمزاجنا وشهواتنا، فالرجل الذي يقول أنا مسلم ولكنه لا يعتبر الصوم من الدين، فهذا غير راض عن حكم المشرع، وهذا على خطر كذلك شارب الخمر العاكف عليها والذي يرفض تحريمها، فهل هذا وأمثاله راضون عن الإسلام دينا؟
والخلاصة أن الدين يؤخذ كله ولا يقبل بالأخذ ببعضه حسب الهوى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) (البقرة: 208).
أيّها المطرودُ عن بابِ الرضا
كم يراكَ اللهُ تلهو مُعْرِضا
كم إلى كم أنتَ في جهلِ الصّبا
قد مضى عُمرُ الصّبا وانقرضا
قم إذا الليلُ دَجَتْ ظلمتُهُ
واستلذّ الجفنُ أن يَغْتَمِضا
فضعِ الخدَّ على الأرضِ ونُحْ
واقرعِ السِّنَّ على ما قد مضى