اهتم الصحابة رضوان الله عليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشر الدين الإسلامي سواء ما جاء عن الله سبحانه وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل عنايتهم في التوحيد ومحاربة الشرك وأهله، والقلوب من رواسب الشرك ورد البدع والخرافة عن الدين القويم. قال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) (التوبة: 100).
وقال سبحانه في حق السلف الصالح: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) (الفتح: 18).
كذلك اهتموا بتزكية النفوس واعتنوا بالجانب السلوكي والأخلاقي علما وعملا، وكذلك بجانب العبادة والمعاملات، ثم جاء من بعدهم الذين اتبعوهم بإحسان على نفس النهج في الاعتقاد والعبادة والأخلاق وأفردوا كتبا في بيان المعتقد الصحيح والابتعاد عن البدعة والرد على أهل الأهواء الذين لم يرتضوا هدي الصحابة الذين نقلوا لنا الدين.
هذا الدين العظيم بجميع شعائره نقلوه لنا قولا وعملا.
وقد نقل لنا أتباع السلف الصالح بأنهم كانوا يرون المسارعة إلى أداء الصلوات المكتوبات في أوائل أوقاتها ويتواصون بالقيام وصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام والرحمة بالفقراء والمساكين والأيتام، وكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون إلى فعل الخيرات ويتحابون في الدين ويجانبون أهل البدع ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات.
ومن المعروف أن السلوك الظاهر مرتبط بالاعتقاد الباطن، فاعتقادهم حسن وعملهم مطابق لاعتقادهم.
ويترتب على تحقيق الجانب العقدي والخلقي السلوكي المطابق للمعتقد الأجر الكثير، وتدل على ذلك الآية الكريمة التالية، قال تعالى: (أُعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، فما دام هذا منهج السلف الصالح في العقيدة والعبادة والسلوك فلم لا نسير على منهجهم العلمي والعملي ونترك أهل البدع والضلالات؟.
والسلف الصالح هم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون الذين اتبعوهم بإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».
ونحن في ظلال شهر كريم فلم لا نعيد حساباتنا لنعرف مدى التزامنا وهو شهر مناسب للتوجه والرجوع إلى الله ومحطة لمراجعة إيمان العبد وتجديده، وفي كله بركة، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فمن فرط فيه فقد حرم نفسه الأجر وباء بالخسران.
فرمضان شهر خير وبركة، فلم لا نغتنم هذا الشهر للعودة إلى الحق، لماذا لا نتصفح سيرة السلف الصالح فنقتفي أثرهم لأنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هديه وسمته وخلقه، فالنظر في سيرهم والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي والاقتفاء بهديهم.
فالسلف الصالح كان لهم أحوال في شهر رمضان تختلف عن سائر الشهور، كان القرآن الكريم شغلهم الشاغل تلاوة وتدبرا وفهم معانيه والعمل بما فيه.
قال الحسن البصري: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا.
وفيهم قال الناظم:
تَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ وَاعتَمِدِ الخَبَرْ
وَدَعْ عَنْكَ رَأْيًا لاَ يُلاَئِمُهُ أَثَرْ
وَنَهْجَ الهُدَى فَالْزَمْهُ وَاقْتَدِ بِالأُلَى
هُمُ شَهِدُوا التَّنْزِيْلَ عَلَّكَ تَنْجَبِرْ
وَكُنْ مُوْقِنًا أَنَّا وَكُلَّ مُكَلَّفٍ
أُمِرْنَا بِقَفْوِ الحَقِّ وَالأَخْذِ بِالحَذَرْ
وأحسن الآخر فقال:
مَنْ كَانَ يَرغب فِي النَّجَاة فَمَا لَهُ
غَيْر اتِّبَاع المُصْطَفَى فِيمَا أَتَى
ذَاك السَّبِيل المُسْتقيم وَغَيْرهُ
سبل الضَّلاَلَة وَالغوَايَة وَالرَّدَى
فَاتَّبعْ كِتَابَ اللهِ وَالسُّنَنَ الَّتِي
صَحَّتْ فَذَاكَ إِنِ اتَّبَعتَ هُوَ الهُدَى
وَدعِ السُّؤَال بِلِمْ وَكَيْفَ فَإِنَّهُ
بَابٌ يَجرُّ ذَوِي البصِيْرَةِ لِلْعمَى
الدِّيْنُ مَا قَالَ الرَّسُولُ وَصحبُهُ
وَالتَّابِعُوْنَ وَمَنْ مَنَاهِجَهُم قَفَا