الجمال هو الحسن يكون في الفعل وفي القول، والخلق، والجمال يكون في الصور والمعاني، والمال والعشيرة والأحوال الظاهرة والباطنة، ويستعمل الجمال في موضع الحسن فيقال: وجه جميل كما يقال وجه حسن.
وفي الحديث الصحيح «إن الله جميل يحب الجمال» أي حسن الأفعال كامل الأوصاف.
ومن أفعاله الجميلة خلق الإنسان من طين، غير أن الله خلقه بأكمل هيئة وأجمل صورة. قال تعالى: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أي صورة ما شاء ركبك) (الإنسان: 6-8).
وقال تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) (النحل: 5و6) قوله جمال: لكم فيها تجمل وتزين، والزينة من الجمال، فقد زين الله لنا السماء والأرض، وما فيهما من طير وحيوان ونبات وغيرها.
قال ابن القيم: «ومن أسمائه الحسنى: الجميل ومن أحق بالجمال ممن كل جمال في الوجود فهو من آثار صنعه، فله جمال الذات وجمال الأوصاف وجمال الأفعال وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها جميلة فلا يستطيع بشر النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدار فإذا رأوه سبحانه في جنات عدن أنستهم رؤيته ما هم فيه من النعيم فلا يلتفتون حينئذ إلى شيء غيره ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه (أي: نوره، وبهاؤه) سبحانه وتعالى ما انتهى إليه بصره من خلقه»:
وقال في بيان جمال صفات الله سبحانه:
وهو الجليل فكل أوصاف الجلال
له محققـــــــة بلا بطـــلان
وهو الجميل على الحقيقة كيف لا
وجمال سائر هذه الأكوان
من بعض آثار الجميل فربما
أولى وأجدر عند ذي العرفان
فجماله بالذات والأوصاف
والأفعال والأسماء بالبرهـــان
لا شيء يشبه ذاته وصفاته
سبحانه عن إفك ذي بهتان
وقال في بيان فضيلة الجمال وميل النفوس إليه على كل حال:
اعلم أن الجمال ينقسم قسمين ظاهر وباطن، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم (2564).
وهذا الجمال الظاهر فزينة يخص الله بها بعض الصور عن بعض وهي زيادة في الخلق التي قال الله فيها: (يزيد في الخلق ما يشاء) (فاطر: 1) قالوا: هو الصوت الحسن، والصورة الحسنة، والقلوب مطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه.
فالصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه، فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه، وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل، ولاسيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه.
وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فقيل لها في ذلك، فقالت: إنها تحسن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي، ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه.
وقد جاء في صحيح البخاري (91) عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس».
فبطر الحق جحده ودفعه بعد معرفته ترفعا وتجبرا، وغمط الناس النظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار والاستصغار لهم.
وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده، فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا، فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد جمالا على جماله، وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه قلبه له شينا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة، فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا وينفر عنه من رآه، فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه به بين الناس، فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره، وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره.
وروي عن عيسى بن موسى الهاشمي أنه كان يحب زوجته حبا شديدا فقال لها يوما: أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر، فنهضت واحتجبت عنه، وقالت: طلقتني! وبات بليلة عظيمة، فلما أصبح غدا إلى دار الخليفة المنصور، فأخبره الخبر، وأظهر للمنصور جزعا عظيما، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم. فقال جميع من حضر: قد طلقت، إلا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة، فإنه كان ساكتا. فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم؟ فقال له الرجل: بسم الله الرحمن الرحيم: (والتين والزيتون. وطور سينين. وهذا البلد الأمين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). يا أمير المؤمنين، فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شي أحسن منه. فقال المنصور لعيسى ابن موسى: الأمر كما قال الرجل، فأقبل على زوجتك، فأرسل المنصور إليها أطيعي زوجك فما طلقك.
وهذا يدل على أن الإنسان أحسن خلق الله تعالى.
قال عمر رضي الله عنه: «نجد الرجل يلبس الصوف، وإن قلبه في ذاك لمملوء كبرا وإعجابا، وإنك لتجد الرجل يتجمل في ثيابه وفي كثير من أمره، وإن في قلبه الخشوع والتواضع، وذلك أملك التواضع بالعبد» رواه ابن شبه في «أخبار المدينة».
والخلاصة من رزق الجمال في نفسه أو ولده أو ماله أو مركبه فليحمد الله وليتق الله فيه، حتى الثوب يرتديه المرء فليحمد الله، وليكن للبسه خاشعا لربه متواضعا حتى لا يكون فتنة للآخرين فيأثم.
وأحسن الناظم في قوله:
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا