بيروت - اتحاد درويش
انطلق أمين عام حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الوزير السابق شربل نحاس من أسئلة جاءت عنوان المحاضرة المطولة التي ألقاها في بيروت، «شو صار؟ شو عم يصير؟ وشو فينا نعمل؟».
واستهل نحاس بتشخيص الأزمات التي أصابت لبنان منذ عقدين وأكثر في اقتصاده وماليته العامة وكافة قطاعاته الانتاجية، وأوصلته إلى ما وصل اليه من أزمات متشعبة.
وقال: «إن هذه الأسئلة الثلاثة التي أطرحها في هذه الندوة، ليس لأن لا أجوبة لدي عن تلك الأسئلة، بل على العكس، لأنني أعرف وأنتم تعرفون أن هناك جوابا تلقائيا جاهزا عليها معا وهو أن لبنان طول عمره هيك، أي أنه ما صار شي غير المعروف المتكرر، وبالتالي ما عم بيصير شي، والأهم أنه لا داعي للفعل إذ لا جدوى منه».
وعرض نحاس للوقائع المتصلة بالوضع الاقتصادي منذ توقفت المصارف عن الدفع في خريف 2019، وإعلان الدولة عن تخلفها عن دينها بالعملات الأجنبية في ربيع 2020 وفقدان الليرة كامل قيمتها. كما تراجع الناتج المحلي إلى الثلث. وتعممت الدولرة وعادت الأسعار تدريجيا إلى مستويات ما قبل الأزمة وبددت موجودات البلد الخارجية لتتراجع من 30 مليار دولار إلى 5 مليارات، وأيضا في غياب أي وجهة، انما استيعاب للصدمة لتنظيم الاستعفاء والتكيف.
وعلى الصعيد البشري والمؤسسين، لفت نحاس إلى التظاهرات الكبيرة في خريف 2019، ثم انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020. «تعطل عمل الإدارة العامة والتعليم الرسمي والقضاء إلى حد بعيد. وارتفعت الهجرة السنوية الصافية للبنانيين، من حوالي 30 ألفا إلى قرابة 100 ألف بينما استمرت أعداد السوريين ونسبتهم من المقيمين ترتفع باطراد».
وأشار نحاس إلى أن الإفلاس أدى إلى فقدان فرص العمل وتعاظم هجرة اللبنانيين، لاسيما من الشباب، حتى باتت نزيفا جارفا، وأصبحت تحويلاتهم، إضافة إلى المساعدات الخارجية واستهلاك مخزون الأموال لدى المصرف المركزي والأفراد، توازي الناتج المحلي وتسمح بالمحافظة على مستويات مقبولة بالحد الأدنى.
وبعد شرح مطول للأحداث والتطورات التي شهدها لبنان والمنطقة، قال نحاس: «نحن اليوم عند مفصل جديد، نظام اللادولة تعطل بحلقاته الثلاث، السياسية-الطائفية، والمالية، والخارجية».
وفي المرحلة الانتقالية طرح نحاس شعار «الأزمة فرصة»، قائلا إن طرحا «كالذي نحمله لم يكن ذا أفق لولا تعثر النظام الذي قام منذ نهاية الثمانينيات، على صعد ثلاثة، المال والهجرات وإعادة تشكيل الإقليم. على أن تتولى إدارة المرحلة الانتقالية حكومة بصلاحيات تشريعية استثنائية وفق برنامج متفق عليه ومحدد. والهدف من الانتقال ليس ترميم ما كان أو إنتاج صيغة متحورة منه، بل طي الحقبة التي ساد فيها.على أن تكون البداية بتعداد المقيمين من لبنانيين وأجانب، ثم المهاجرين اللبنانيين، وتحديد اقامتهم وأوضاعهم التعليمية والصحية والمهنية، خارج أي تصنيف إداري نسبي أو طائفي، وبتعداد المؤسسات على اختلافها، وتنظيم قواعد المعلومات، ووضع نظام مرجعي مدني للأحوال الشخصية يطبق على جميع المقيمين، لكنه يلحظ استبقاء الخيار للبنانيين، ولللبنانيين حصرا، الانتماء إلى طائفة واتباع أنظمتها، مع ما يرتب ذلك من تبعات على صعد عدة».
كما تطرق إلى قوانين الانتخاب، «حيث تكون الإقامة الفعلية هي القاعدة، حيث يتوجب على المرشح اختيار تمثيله للمواطنين مباشرة أو عبر الطائفة، ويختار الناخبون الاقتراع لهؤلاء او أولئك. إلى جانب إعادة رسم الحدود بين الخدمات ذات الصفة السلعية والخدمات التي تشكل حقوقا».
ودعا نحاس إلى إرساء نظام ضريبي لا يقتصر على جمع التمويل بأسهل الطرق، والى انتظام عمل الإحصاء المركزي، استنادا إلى تعداد المقيمين والمؤسسات، لإنتاج حسابات وطنية دقيقة ولتأمين مؤشرات مستمرة وسريعة تسمح برصد اقتصادي واجتماعي يوجه السياسات العامة، وإعادة الاعتبار للأجر.
كما طالب بتصحيح الانحرافات البنيوية في الاقتصاد بعدما تمادت لعقود. وشدد على اعتماد سياسات خارجية مسؤولة، وأن يتعامل لبنان بفاعلية مع محيطه.
ورأى نحاس «أننا اليوم أمام مفترق يتطلب المواجهة فالمسألة ليست قلة موارد، بل في صيغ تأطيرها. والرد على تبدد للمؤسسات، يكون من خلال إنشاء تشكلات مؤسسية جامعة لا تهدف إلى تصدير الشباب وإلى منح صفات ومقامات اجتماعية تعفي من العمل العام ومن إنتاج الفكر».