بيروت - اتحاد درويش
ساهمت الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني في احتضان النازحين وتوفير احتياجاتهم عبر تأمين الإيواء والحفاظ على سلامتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم للتخفيف من وطأة النزوح.
واستطاعت بفعل الجهود التي بذلتها مع فريق عمل من المتطوعين أن تملأ الفراغ في مؤسسات الدولة، بل وتقدمت عليها في طريقة التعامل مع الوضع الإنساني المستجد الذي فاجأ الجميع وأحدث فوضى هائلة عند بدء تدفق النازحين في سبتمبر الماضي، في مشهد بدا فيه حينذاك أن الدولة لم تكن جاهزة بالقدر الكافي، علما أنها شكلت هيئة طوارئ حكومية من أجل هذه الغاية، وتلقت مساعدات خارجية فاقت آلاف الأطنان من الأدوية والمواد الغذائية، وغير ذلك.
واضطر المئات من اللبنانيين إلى مغادرة مناطقهم بشكل عاجل فجر يوم الاثنين في 23 سبتمبر الماضي بعد أن شنت اسرائيل غارات جوية على مناطق متعددة في جنوب لبنان موسعة حربها مع «حزب الله»، مت أدى إلى نزوح السكان بعد تلقيهم رسائل تطالبهم بإخلاء منازلهم.
وشمل هذا النزوح لاحقا مناطق الضاحية الجنوبية ومن ثم البقاع باتجاه مناطق آمنة، لتبدأ رحلة المعاناة والألم التي لم تطل عند كثيرين ممن عادوا إلى مناطقهم عند الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي، فكانت العودة الفورية إلى ديارهم ومناطقهم المنكوبة. وتعذر على البعض من سكان القرى الحدودية التي دمرت قراهم بشكل شبه كلي من العودة إليها، فأبقتهم الحالة هذه إما عند أقارب لهم أو في مراكز إيواء.
وإذا كان العام 2024 يمكن وصفه بالعام الأكثر إيلاما لجهة حروب إسرائيل على لبنان، فإنه أيضا عام النزوح الذي وصف بالأخطر لناحية حجمه الذي فاق المليون نتيجة سياسة التدمير المبرمج للمساكن والمؤسسات والبنى التحتية، فوجد لبنان نفسه أمام حالة غير مسبوقة في تاريخه.
وبرز دور الجمعيات الأهلية التي سارعت إلى لعب دور متقدم في عملية التعامل مع هذه القضية الإنسانية، وهذا الأمر الذي أعتبر أنه ناجم عن تلكؤ الدولة أو ضعف إمكاناتها. وتبادر هذه الجمعيات في كثير من الأحيان إلى لعب دور متميز عند وقوع الأزمات.
وفي الإطار أشار رئيس جمعية «فرح العطاء» مارك طربيه «إلى أن الأداء الرسمي تجاه قضية النزوح كان دون المستوى المطلوب بسبب غياب المسؤولية الوطنية ونقص المبادرة. وقد بدت الحكومة كما لو أنها غير جاهزة، وعمت الفوضى وسوء التحضير والإمكانات ك، وهذا الأمر خبرناه أيضا عند وقوع انفجار مرفأ بيروت».
وقال طربيه لـ «الأنباء» إن قضية النزوح «لم تنته وهي ليست مسألة عابرة، بل لها تداعياتها على مختلف الصعد وفي مقدمتها مسألة إعادة الإعمار. فهناك قسم من النازحين ممن استضافتهم الجمعية عاد إلى مناطقه وهم على تواصل معنا».
وأوضح أن 180 شخصا لا يزالون في مركز الجمعية في منطقة الكرنتينا، «بسبب أن قراهم تقع على الحدود الجنوبية وبيوتهم مدمرة، وغيرهم ممن لم يتمكنوا من العودة إلى مناطق البقاع بسبب الأضرار التي أصابت بيوتهم وأصبحت غير قابلة للسكن».
وذكر أنه كان على الجمعية أخذ المبادرة بالسرعة القصوى عند بدء تدفق النازحين. «وسارعنا إلى إقامة ما أسميناه بيت الضيافة «فلورا» في منطقة الكرنتينا على مساحة من الأرض تقع بالقرب من مرفأ بيروت، كانت مسلخا تابعا لبلدية بيروت ومتصدعا بسبب انفجار المرفأ. وباشرنا على الفور تنظيف المكان. وفي خلال ستة أيام من العمل الشاق أقمنا هنغارين لاستيعاب 1200 شخص. وكانت البداية أولا وبالتنسيق مع بلدية بيروت التواصل مع الذين لم تتوفر لهم مراكز إيواء، لاسيما هؤلاء الذين باتوا على الطرقات وجرى استيعابهم في مركز «فلورا» الذي اتسع لـ 680 نازحا».
وتوقف طربيه في حديثه عند مسألة التطوع التي بادر إليها مجموعة من الشباب والشابات، وقال: «هي مسألة فائقة الأهمية وتنم عن الاحتضان الشعبي وروح المبادرة عند هؤلاء المتطوعين. ففي غضون 48 ساعة جرى تسجيل 600 شاب وصبية من مختلف أنحاء لبنان. وهم في معظمهم من طلبة الجامعات، والتزموا بالعمل والمساعدة طوال فترة النزوح. وهذا أمر أعطانا طاقة جيدة لتوظيفها لصالح بلدنا، فكان عملهم يتركز على جمع المساعدات العينية من مواد غذائية وفرش وأغطية وأدوية وكل ما يتعلق بالمستلزمات الأساسية. فضلا عن تلقيهم طلبات المساعدة عن طريق استحداث مركز اتصال خاص بالجمعية».
وتابع طربيه: «ما قامت به جمعية «فرح العطاء» في مراكزها المختلفة في بيروت وخارجها كان بجهود شخصية وتطوعية من العمل المتواصل لتحقيق ما عجزت عنه الدولة في شهرين، وبالتالي نحن أمام نموذج يجب الاقتداء به، عمر مجموعة من الشباب قررت أن تتعاون يدا بيد لإنتاج عمل هو أعظم من حكومة قائمة بذاتها وأعظم من جمعيات دولية».
وفي الجانب المتعلق بتأمين الخدمات والمساعدات التي تلقتها الجمعية من هيئة الطوارئ الحكومية، لفت طربيه «إلى الأعداد الكبيرة من المساعدات الإغاثية التي وصلت إلى المطار. وفور الانتهاء من تجهيز مركزنا «فلورا» في منطقة الكرنتينا، طلبنا من الهيئة بعض الفرش والأغطية والمواد الغذائية والمازوت والمياه. وجرى تقديم ما طلبناه وكان الله يحب المحسنين.. لقد تركونا في منتصف الطريق وبقينا نصرخ ونطالب إلى أن اضطررنا إلى شراء كل ما طالبنا به. والسؤال: أين ذهبت كل تلك المساعدات؟».
وتحدث طربيه عن طرق تأمين الحاجات من مأكل وأدوية، وكل ما هو ضروري للنازحين لتوفير أفضل الخدمات اللائقة بهم. «فعلى الصعيد الطبي قدمت نقابتي الأطباء والصيادلة الأدوية وأجرت فحوصات طبية، وتمت متابعة الدراسة للتلامذة النازحين عن طريق الأون لاين في كل مراكز الجمعية. كما عملنا على الدعم النفسي من خلال قسم خاص بإشراف الجامعة اليسوعية. ويمكن القول إن الخدمات كلها كانت متوافرة وبالكامل، من خلال أشخاص وجمعيات تملك الخبرة. وكانت هناك شراكة بين القطاع الخاص والمجتمع المدني والدولة، وكل قام بدوره المختص به أي وزعت الأدوار بين مختلف الأطراف».