(ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين)، ولا تجعلوا مع الله معبودا آخر، إني لكم من الله نذير بيّن الانذار، النذارة بماذا؟ بألا يجعلوا مع الله أحدا برسالة التوحيد التي هي لسان الأنبياء كلهم جميعا، (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) كما كذبت قريش نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم وقالوا: هو شاعر أو ساحر أو مجنون، فعلت الأمم المكذبة رسلها من قبل قريش فأحل الله بهم نقمته وأهلك الله هؤلاء المكذبين، درسا للناس جميعا.
(أتواصوا به)، يعني أتواصوا بالكفر (بل هم قوم طاغون)، هؤلاء الطغاة تشابهت قلوبهم وافعالهم، وهكذا الظالمون والطغاة تتشابه افعالهم في كل مكان وفي كل زمان، قال (بل هم طاغون) فسلى قلب نبيه الكريم، فقال (فتول عنهم فما أنت بملوم)، عليك أداء الرسالة أما نتيجة هذا الأداء فليس لك وليس بيدك إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
حقيقة أهل الإيمان
(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، المؤمنون إذا ذكروا ذكروا وعملوا واذا ذكروا لم يقولوا نعرف ولم يقولوا نعلم، لم يقولوا لا نحتاج إلى تذكير لم يقولوا هذا ديننا وهو دين آبائنا واجدادنا، الذين إذا ذكروا تذكروا لأنهم حقيقة هم أهل الإيمان الذين امتدحهم الله عز وجل، فإن التذكير والموعظة ينتفع بهما اهل القلوب المؤمنة وفيهما إقامة الحجة على المعرضين.
الغرض الأسمى
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وما خلقت الجن والإنس وبعثت جميع الرسل إلا لغاية سامية هي عبادتي وحدي دون سواي.
لا تسأل سواه ولا تلجأ لغيره
(ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)، لا أريد منهم من رزقا وما أريد أن يطعمون، فأنا الرزاق المعطي، الله سبحانه غير محتاج الى الخلق، بل هم الفقراء إليه في جميع احوالهم، فهو خالقهم ورازقهم والغني عنهم، فلنعرف من هو الله، انه هو الرزاق من صيغ المبالغة الذي لا يتوقف رزقه، فهو دائم متجدد عليك أيها الانسان، وهو ذو القوة سبحانه المتين الغني عنكم.
(فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون)، فإن للذين ظلموا بتكذيبهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم نصيبا من عذاب الله نازلا بهم مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم فلا يستعجلون بالعذاب فهو آتيهم لا محالة.
العذاب للكافرين
(فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون)، قيل الويل واد في جهنم، وقيل دعاء بالهلاك والثبور، والله تعالى يخبرنا عن حالهم ومآلهم، فمآلهم الهلاك والنار خالدين فيها لا يخرجون منها، فالهلاك والشقاء للذين كفروا بالله ورسوله من يومهم الذي يوعدون فيه بنزول العذاب بهم وهو يوم القيامة.
النعيم للمؤمنين
ختم الله عز وجل السورة ببيان حال الكافرين، فهذا ما يقال عنه منطوق الآية ومفهومها وعكس حال الكافرين حال الأبرار المؤمنين في جنات وعيون وروح وريحان في جنات من نعيم أبدي.
العبادة لله وحده
السورة مكية، ركزت على اقامة الادلة على أن العبادة لا تكون الا لله الواحد القهار، وعلى أن البعث حق، والجزاء حق، وعلى أن سنة الله عز وجل قد اقتضت ان يجعل العاقبة الطيبة لأنبيائه واتباعهم والعاقبة السيئة للمكذبين لرسلهم وعلى ان الوظيفة التي من أجلها خلق الله عز وجل الجن والإنس انما هي عبادته وطاعته.
(ألقيت هذه المحاضرة
في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)