بيروت - ناجي شربل وأحمد عزالدين
جهد أركان الحكم في لبنان في الساعات الأخيرة بمواكبة دولية وعربية لاحتواء تداعيات تعثر ولادة الحكومة الأولى للعهد ظهر الخميس، حيث تصاعد الدخان الأسود من قصر بعبدا، إثر إخفاق الرؤساء الثلاثة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام، في الوصول إلى صيغة نهائية توضع على المراسيم الخاصة بتشكيل الحكومة.
واستمرت الاتصالات وبزخم كبير من الرئيس عون للحيلولة دون أزمة حكم ونظام وأزمة ثقة. وكرر رئيس الجمهورية أمام زواره، أن ولادة الحكومة مطلوبة اليوم قبل الغد لإتاحة التحرك من قبله باتجاه الدول العربية والأجنبية مصحوبا بوزراء لمناقشة أمور حيوية خاصة بلبنان، وللإسراع في إطلاق عجلة العمل بالمؤسسات، بعد ملء الشواغر فيها والعمل على بث الروح لتكثيف عجلة الإنتاج.
صدمة تأجيل إعلان الحكومة الأولى للعهد لم تقطع الطريق على التوصل إلى تسويه تؤدي إلى نقل التشكيلة إلى الضفة الأخرى لجهة الولادة، من خلال تكثيف الاتصالات لتذليل العراقيل التي حالت دون إعلانها الخميس، بعدما عاش اللبنانيون لوقت قصير الولادة الحكومية من قصر بعبدا، في ضوء حضور الرؤساء الثلاثة واستدعاء الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية لتلاوة مراسيم التأليف.
الدعم الدولي لعهد الرئيس العماد جوزف عون استمر، وجديده أمس رسالة من البابا فرنسيس الذي أوفد السفير البابوي باولو بورجيا إلى قصر بعبدا، وحمله رسالة إلى رئيس الجمهورية فيها: «أعبر عن قربي الروحي من الشعب اللبناني العزيز، وأسأل الله أن يحفظه كنزا للحضارة والحياة الروحية، حتى يكون دائما رسالة سلام وانسجام مع التنوع».
وقال الرئيس عون للسفير البابوي: «أعلم أن لبنان دائما في قلب البابا فرنسيس وصلواته، وأتطلع إلى لقاء قريب مع قداسته».
كذلك، استقبل رئيس الجمهورية نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس (حلت بديلة لأموس هوكشتاين من قبل الإدارة الأميركية الجديدة).
ونقلت أورتاغوس ترافقها السفيرة الأميركية ليزا جونسون ووفد لرئيس الجمهورية تهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتمنيات بالتوفيق في مهامه الرئاسية، مؤكدة دعم الولايات المتحدة للبنان وللبنانيين.
رئيس الجمهورية قال للوفد الأميركي: «يرتبط الاستقرار الدائم في الجنوب بإنجاز الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها (إسرائيل) خلال الحرب الأخيرة، وتنفيذ القرار 1701 بجميع بنوده، بما في ذلك مقتضيات اتفاق 27 نوفمبر الماضي. كما يعد إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين جزءا لا يتجزأ من هذا الاتفاق».
وتابع: «يجب أن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية، بما في ذلك قتل الأبرياء والعسكريين، وتدمير المنازل، وتجريف الأراضي الزراعية وإحراقها».
وأضاف: «الجيش اللبناني جاهز للانتشار في القرى والبلدات التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية، على أن ينجز الانسحاب ضمن المهلة المحددة في 18 فبراير».
وشدد على «استمرار التعاون مع القوات الدولية بشكل بناء لتنفيذ القرار 1701، بهدف تثبيت الاستقرار من جهة، وإعادة الحياة تدريجيا إلى المناطق المحررة، التي تحتاج إلى خطة شاملة وضمان الحد الأدنى من مقومات العيش».
وتناول الوضع الحكومي قائلا: «المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة تكاد تصل إلى خواتيمها، على أن تتمتع الحكومة بالانسجام والقدرة على تحقيق تطلعات اللبنانيين وآمالهم، وفق ما ورد في خطاب القسم».
وحمل الرئيس عون نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط تحياته إلى الرئيس دونالد ترامب، شاكرا الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للبنان في مختلف المجالات.
أورتاغوس تحدثت من منبر القصر الجمهوري بنبرة عالية، وقالت إن لبنان هو الزيارة الأولى لها خارج الولايات المتحدة، وهي ممتنة للرئيس عون والحكومة وهناك عدد كبير من الجالية اللبنانية في أميركا.
و تابعت: «ملتزمون بانسحاب إسرائيل من الجنوب في 18 فبراير، وسنتأكد من أن إيران لن تصل إلى السلاح النووي، ولن تتسبب في عدم الاستقرار في لبنان والمنطقة. نريد أن نعيد لبنان إلى موقع الأمل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة تريد إضعاف حزب الله في لبنان».
وأضافت: «إسرائيل هزمت حزب الله ونحن ممتنون لها بسبب ذلك، ونؤكد على مسألة عدم مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة بأي شكل من الأشكال». وقالت: «نأمل انتهاء نفوذ حزب الله في لبنان وانتهى عهد ترهيب الحزب في لبنان والعالم».
ولاحقا، أعلن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، أن «بعض ما صدر عن نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من بعبدا يعبر عن وجهة نظرها والرئاسة غير معنية به».
رئيس الجمهورية التقى أيضا قادة أمنيين وهم: المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، وقائد الجيش بالإنابة للواء الركن حسان عوده، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن محمد المصطفى، الأوضاع الأمنية في البلاد والتطورات في الجنوب، وانتشار الجيش في القرى الحدودية.
وعصراً توجه الرئيس المكلف الى بعبدا، والتقى رئيس الجمهورية ثم غادر من دون الإدلاء بتصريح.
في الشق الحكومي، عزت مصادر متابعة لـ «الأنباء» تعثر ولادة الحكومة لسببين: الأول يتعلق بتسمية أعضاء التشكيلة الحكومية والاصطدام بين الرئيسين بري وسلام على اسم الوزير الشيعي الخامس، والثاني يتناول الحكومة بشكل عام ومسار عملها في المرحلة المقبلة.
وتوقعت المصادر أن تسهم محادثات المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس مع المسؤولين اللبنانيين، خصوصا مع الرئيس نبيه بري في إيجاد مخارج لمسالة الحكومة، لما للرئيس بري من صولات وجولات مع الموفدين الأميركيين في هذا المجال، وإجادته تدوير الزوايا مع مفاوضيه الأميركيين ابتداء من حرب العام 2006، وصولا إلى اتفاق وقف إطلاق النار للحرب الأخيرة، والذي بدأ سريانه في 27 نوفمبر الماضي. وبالتالي يمكن أن تؤدي المحادثات إلى إخراج التشكيلة الحكومية من عنق الزجاجة، وبدء مسار حلحلة العقد.
وترى المصادر أن الرئيس المكلف نواب سلام مطالب بعدم زيادة الكتل والأطراف التي يمكن أن تحجب الثقة عنه، في ظل الاعتراضات من «التيار الوطني الحر»، وكتلة «الاعتدال الوطني»، و«التكتل الوطني المستقل» وعدد غير محدد من نواب مستقلين.
وفي موقف يحسم عدم مشاركة «التيار الوطني الحر» في الحكومة بشكل نهائي، قال رئيس التيار النائب جبران باسيل في رسالة متلفزة الجمعة «لا نقبل أن نكون في حكومة على طريقة أولاد ست وأولاد جارية. هذا الأمر لا ينطبق علينا، وإذا قبل غيرنا به فنحن لا نقبل، لسنا متعلقين بالسلطة، وأسهل علينا الانتقال إلى المعارضة».
وفي موقف لافت للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، شكل رافعة لموقف رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، قال الراعي خلال استقباله في الصرح البطريركي في بكركي وفدا من نقابة الصحافة برئاسة النقيب عوني الكعكي: «كلنا بانتظار ولادة الحكومة التي تشكل السلطة التنفيذية، ومن الضروري إعطاؤها الثقة لأن كل يوم تأخير في تشكيلها يعتبر خسارة للبنان».
وأبدى الراعي أسفه «للعودة إلى أسلوب تقاسم الحصص»، مشيرا إلى أن «دور رئيس الحكومة ليس بوسطجيا، ولا يجب أن يتعثر التشكيل بسبب خلاف على اسم من هنا واسم من هناك، فالاستحقاقات الوطنية والمعيشية كبيرة، والوطن وطننا جميعا، والسؤال: لماذا يكتب علينا البقاء آخر الشعوب؟».
والحماوة السياسية حول التشكيلة الحكومية قابلتها أخرى عسكرية مع إسرائيل، التي وسعت غاراتها لتشمل عددا من البلدات في البقاع الشمالي وكذلك منطقة النبطية، تحت عنوان استهداف محاولات نقل أسلحة، أو ضرب بنى تحتية لـ «حزب الله».
وأمس، استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي بلدة البيسارية في محلة تبنا بقضاء صيدا، فيما استمرت عمليات التدمير والتجريف في البلدات المحتلة. وقضت 4 أفراد من عائلة واحدة في بلدة طيرحرفا (قضاء صور) الجمعة بانفجار مخلفات ذخائر إسرائيلية في منزلهم. في حين تحدثت معلومات أخرى عن استهداف عباس حيدر، ونسبت إليه صفة قيادية في «حزب الله». كما قام الجيش الإسرائيلي صباح الجمعة بتفجير منازل في كفركلا على مرحلتين، ثم لجأ بعدها إلى إحراق منازل أخرى.
وتشير الإحصاءات إلى أن ما دمرته إسرائيل منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر وحتى الآن يفوق حجم الدمار الذي حصل على مدى حرب الشهرين، وقبلها نحو سنة من «حرب الإسناد».