بيروت ـ أحمد منصور
يتخبط القطاع الزراعي في لبنان بحزمة من المعاناة المزمنة، أوصلته إلى حافة الانهيار لجملة من العوامل والأسباب. وهو مهدد بمزيد من التدهور، في حال لم يحظ باهتمام ورعاية من الدولة، على غرار بقية الدول، اذ يعتاش منه حوالي 35% من الشعب اللبناني.
ولعل أبرز تلك المعاناة، عمليات التهريب الجارية من سورية إلى لبنان وبشكل عشوائي، حيث يغرق السوق اللبناني بالإنتاج الزراعي السوري الأقل سعرا وكلفة، ما يتسبب بكساد محصول المزارع اللبناني المتروك للقدر.
رئيس نقابة تجمع مزارعي الجنوب محمد الحسيني شرح لـ «الأنباء» ما وصفه بـ «الواقع المرير الذي يعيشه هذا القطاع من مختلف الجوانب».
وقال «ينتج لبنان 6 زراعات أساسية تستهلك محليا، وبحاجة إلى أسواق خارجية لتصديرها وتصريفها، لأنها تفيض عن حاجتنا وهي التفاح والبطاطا وزيت الزيتون والموز والحمضيات والفواكه الصيفية».
وأضاف «المشكلة البنيوية في الزراعة اللبنانية هي ارتفاع كلفة الإنتاج. ولا توجد لدينا معامل أسمدة أو أدوية، بل نستوردها من الخارج وبالدولار، إضافة إلى أكلاف الطاقة سواء بالاعتماد على الكهرباء أو على المازوت بثمن باهظ. كما ان اليد العاملة المحلية لم تعد موجودة، وبتنا نعتمد على عمال أجانب من الدول الآسيوية، وبعض دول الجوار، وهذا يزيد من كلفة المصاريف».
وتوقف الحسيني عند أسعار الزيتون السوري والحمضيات والفواكه الصيفية، فلفت إلى «ان كلفة انتاجها أقل بما لا يقاس مع كلفة الإنتاج في لبنان. وبالتالي لا يوجد تكافؤ الفرص في المنافسة. والسبب ان اليد العاملة المحلية السورية وأسعار الأسمدة أرخص. كما ان إيجار الأراضي وعوامل الإنتاج لديهم أقل كلفة. والمنتجان الوحيدان اللذان نصدرهما لهم هما الموز والأفوكادو، لأنها فواكه شبه استوائية ولا تعيش في مناخ سورية».
وأضاف: بالنسبة إلى موضوع الحدود، فمنذ تاريخ قيام لبنان، كل الأطراف لدينا سواء في البقاع الشمالي والجنوبي والأوسط وحتى منطقة عكار، يعتاشون من السوق السورية، لأن المداخيل الموجودة في هذه الأطراف والقدرة الشرائية لا تتناسب مع الكلفة الموجودة في السوق اللبنانية. وبالتالي يتبضعون من السوق السورية لأنها ارخص. كل البقاع يذهب إلى حمص ويشتري السلة الغذائية مرتين في الشهر، والسبب انه في لبنان هناك احتكار ووكالات حصرية فترتفع الأسعار. بينما المنتج المشابه الموجود في السوق السورية يباع بربع السعر.
وتابع الحسيني «نحن كنقابة وبالتعاون مع النقابات على مستوى البلد، تحدثنا مع الوزارات لتخفيف كلفة الإنتاج. وعندما ننتح بكلفة أقل ونقدم للمستهلك اللبناني بضاعة أرخص، يتوقف عن الإستيراد ولا يعود هناك جدوى من التهريب».
واستطرد «طلبنا من الوزارات إعادة تفعيل قروض الطاقة، لأن مصاريف الطاقة تشكل 18% من كلفة الإنتاج. وكلما كانت كلفة عوامل الانتاج على المزارع اللبناني قليلة يستطيع ان يعطي منتجا للمستهلك اللبناني بكلفة قليلة، وبالتالي المنتج المستورد من الخارج يكسد».
واعتبر «أن المزارع اللبناني تأثر منذ تاريخ 7 اكتوبر 2023 وحتى اليوم. وهناك ضرر مباشر وغير مباشر. الضرر المباشر هو من احترقت مزارعه، سواء كانت تضم الدواجن او الأبقار أو البساتين أو المحاصيل.. جراء استخدام الجيش الإسرائيلي الفوسفور الأبيض المحرم دوليا. والأضرار غير المباشرة هي من كان لديه موسم لم يستطع حصاده».
وشدد على «وجوب إحداث نفضة شاملة في القطاع، ليس فقط على مستوى الجنوب، بل على مستوى لبنان»، ودعا إلى «تنظيم ورشة زراعية تتعلق بمكامن الضعف في القطاع الزراعي».
واعتبر «أن الدولة اللبنانية تنظر إلى القطاع الزراعي بدونية، لأنه يساهم فقط بـ 12% من الناتج المحل، ولكنها لا ترى في المقابل، ان 30% من سكان لبنان يعيشون من هذا القطاع. الحكومات المتعاقبة منذ تاريخ الاستقلال وحتى اليوم، تهتم بتأسيس المصارف وتأمين الخدمات فقط، ولا تسأل عن الصناعة والزراعة».
وعن تأثيرات العدوان الإسرائيلي على القطاع الزراعي في الجنوب، أشار إلى انه «بعد 18 الشهر الجاري تتوضح الأمور. هناك أشجار زيتون معمرة سرقها المحتل بعد أن اقتلعت من جذورها، وسنرى المساحات الزراعية المتضررة، ويبنى على الشيء مقتضاه».
وختم بالقول «لا نريد شيئا اسمه دعم، بل نريد حل المشاكل البنيوية لهذا القطاع لتنشيطه وتأمين الاكتفاء الذاتي او الأمن الغذائي كما يسمونه. يجب تأمين سلاسل توريد وإنتاج سليمة، ولكي يتحقق ذلك يجب تخفيض الكلفة ليقبل المزارع على الزراعة».
وأكد المزارع ديب نمر «ان معاناتنا الرئيسية هي الكلفة العالية للإنتاج، إذ نشتري الأسمدة والأدوية والبذور بالدولار، ونبيع مواسمنا بالليرة اللبنانية، بالإضافة إلى انه في عز الموسم تنشط المنافسات والمضاربات، حيث يتم تهريب واستيراد الخضار من سورية ما يؤدي إلى كساد المحاصيل اللبنانية وخصوصا الخضار».
وأشار إلى «ان خسائره كانت كبيرة بموسم الأفوغا لهذا العام نتيجة العدوان الإسرائيلي، حيث لم نستطع تصريف الإنتاج، اذا الكلفة كانت 4000 دولار لم نجمع منه 300 دولار»، وتمنى التفاتة من الدولة تجاه المزارعين وتذليل الصعوبات بوجههم كي يستمروا في مسيرة عيشهم.
وأشار إلى ان الخسائر بسبب الحرب طالت أيضا مواسم القشطة والموز والجوافة.
وشدد المزارع شارل القزي (مختار جدرا) على «ان التهريب هو التحدي الكبير أمام المزارعين في لبنان، والذي يؤدي إلى تدني أسعار المحاصيل اللبنانية»، ودعا «إلى وضع روزنامة زراعية، ووقف استيراد المنتوجات في عز المواسم، لأنها تضر بالسوق اللبناني وإنتاجه».
وقال: ترهقنا الأكلاف الباهظة الثمن لجهة الأدوية والأسمدة والبذور التي ندفع ثمنها بالعملة الأجنبية، بينما نبيع بالليرة اللبنانية. ولا ننسى احتساب كلفة الكهرباء والري والنقليات، والأضرار من عوامل الطبيعية بسبب الصقيع والبرد والعواصف، وكلها مصاريف ومعاناة تتراكم علينا.
ولفت إلى «انه خلال الحرب فقدت البذور، فتم اللجوء إلى السوق السوداء. فالبذور التي كانت بـ 80 دولارا اشتريناها بـ 200 دولار.. ولم تتوفر النوعية المطلوبة، اذا اصبح محصولنا هجين البذور».
وقال ميلاد الكيك (صاحب حسبة) «كلفة كيلو القرنبيط والملفوف 40 و50 ألف ليرة، ويباع بعشرة آلاف ليرة (سعر الجملة). وكيلو الحامض الذي نستعمل له الأدوية للبرميل الواحد 5 ملايين ليرة، يباع بـ 20 ألف ليرة، بينما يباع بالمفرق بـ 40 و50 الف ليرة».
وأكد ان معاناة المزارع هي تدني الأسعار، والسبب الأول هو التهريب، ناهيك عن المصاريف العالية للأسمدة والأدوية وأجرة العمال، ودعا الدولة إلى الاهتمام بالمزارع لتثبيته بالأرض، وإعفائه من الضريبة على القيمة المضافة TVA كي يتنفس، بدلا من تطويقه وتجويعه.