- الجابر: الكتابة المسرحية تبدأ من الفكرة وصولاً إلى نص العرض الذي يتحول إلى عرض متكامل على خشبة المسرح
- تطوير الأفكار يكون من خلال إعداد الفكرة وترتيبها ووضع جدول في ذهن الكاتب قبل البدء بكتابتها فعلياً
- سلمان: رؤية الشعر قائمة على مفاهيم مختلفة والقطع النثرية ذات الطبيعة الشعرية تؤثر مباشرة في علاقة المتلقي بالنص
- الموسيقى الداخلية لا تعتمد على مشاعرنا نحن فحسب بل على مشاعر أجدادنا الذين نحتوا المفردات في لغتنا
آلاء خليفة
وها هي رحلة المعنى لازالت تسير بحثا عن المعنى في مهرجان «رحلة المعنى» الذي تنظمه مكتبة «تكوين» تزامنا مع احتفالها بعامها الثالث وقد استكمل المهرجان فعالياته في اليوم السادس بورشتي عمل قدمها كل من الناقد والكاتب المسرحي علاء الجابر والشاعر والمسرحي البحريني مهدي سلمان.
وقدم الناقد والكاتب المسرحي علاء الجابر ورشة عمل حملت عنوان «فن كتابة المسرحية» فمن خلال عدة تمارين آنية تعرف متدربو الورشة على آلية فن كتابة المسرحية بخصوصيتها الفنية التي تؤهلهم لنقل الفكرة الى خشبة المسرح كما تم التوقف عند المصادر الابداعية للنص المسرحي وتقنياته المتعددة بالاستعانة بالعديد من الأمثلة العملية.
وتناول الجابر مع المتدربين في ورشة العمل كيفية الكتابة المسرحية بداية من الفكرة وصولا الى نص العرض الذي يتحول الى عرض متكامل على خشبة المسرح.
وقدم الجابر الكثير من التمارين العملية خلال ورشة العمل في عدة مجالات وتناول عدة أفكار وقامت بتطبيقها مع المتدربين، موضحا ان الورشة هي تعريفية وعملية في آن واحد، مشيرا الى اختلاف الكتابة المسرحية عن أنواع الكتابات الاخرى سواء في الصحافة او الرواية او القصة.
وتناول الجابر الأخطاء الموجودة في الكتابة المسرحية مسلطا الضوء على أهم المسرحيات التي تعطي أمثلة في طرق الكتابة المسرحية المختلفة.
وتحدث الجابر خلال ورشة العمل موضحا ان الكتابة المسرحية لا ينطبق عليها كلمة «سيناريو» نظرا لأن السيناريو خاص بالسينما والتلفزيون أما في الكتابة المسرحية فهناك نص وحوار، مشيرا الى ان اي عمل مسرحي له وجهان، وجه خاص بالكاتب والوجه الأخص بيد المخرج.
وتحدث الجابر عن خطوات الكتابة المسرحية التي تبدأ «بالفكرة»، لافتا الى ان الأفكار كثيرة ولكن الكاتب يلتقط من تلك الافكار ما يتناسب مع رؤيته التي تختلف من شخص لآخر، مؤكدا ان في المسرح لا يوجد شيء حرفي انما لا بد من إعادة التدوير والكتابة.
وأفاد الجابر بأن الفكرة تتحول الى موضوع ومن ثم لا بد من تطويره، موضحا ان هذا الأمر يخص المسرحية التقليدية الاعتيادية التي تتضمن (فكرة ـ نصا ـ تصاعدا ـ ذروة ـ نهاية) وليس المسرح التجريبي.
وأوضح ان تطوير الأفكار يكون من خلال إعداد الفكرة وترتيبها ووضع جدول في ذهن الكاتب قبل البدء في كتابتها فعليا، مشيرا الى ان الصراع في الكتابة المسرحية هو عبارة عن مجموعة صراعات وليس صراعا واحدا، فهناك صراع ساكن وصراع متصاعد يضم أفكارا وقضايا معينة، مشيرا الى ان هذا الصراع متذبذب يصعد أحيانا ويهبط أحيانا اخرى.
وذكر الجابر ان هناك صراعا آخر صاعد تماما مثل الصراعات التي تتضمن عنفا وعلى سبيل المثال علاقة هاملت مع عمه في مسرحية «هاملت»، مشيرا الى ان نص المسرحية ان هناك أميرا ووالده ملك وقام عمه باغتصاب الحكم من والده ويتزوج والدته بجريمة قتل ويأتي الأب على شكل شبح حتى يشرح لهاملت ماذا حدث وتتولد رغبة الانتقام لدى هاملت طيلة المسرحية ولكنه لا يفعل شيئا.
وأفاد الجابر بأنه بعد اختيار الفكرة وتطويرها لحكاية تأتي مرحلة اختيار الشخصيات بحيث تكون لها هوية ووظيفة في النص المسرحي، مشيرا ان الشخصية لها 3 جوانب متمثلة في شكل الشكل والجانب الاجتماعي الفسيولوجي والجانب السيكولوجي النفسي.
وأوضح الجابر انه يقوم بعمل شهادة ميلاد للشخصيات التي يقوم بكتابتها التي تعطي عمرا للشخصية وكيانا وتفاصيل كاملة، لافتا الى ان المرحلة التي تلي الفكرة واختيار الشخصيات هي مرحلة الحوار، موضحا ان اهم ما في الحوار هو توصيل رسالة ويعكس الآخر، مشيرا الى ان الحوار يجب ان يكون مكثفا.
وأكد الجابر ان الفن انعكاس لما يحدث من تغييرات في المجتمع.
جماليات النص
من ناحيته، ذكر الشاعر والمسرحي البحريني مهدي سلمان في ورشة جماليات النصوص النثرية ذات الطبيعة الشعرية (النص، الخاطرة) ان رؤية الشعر قائمة على مفاهيم مختلفة، موضحا انه اكتشف أمورا في مفهوم النثر ذي الطبيعة الشعرية مثل الخاطرة وقصيدة النثر والخطبة العربية القديمة والحكم العربية، مشيرا إلى ان تلك الأمور بها طبيعة شعرية مختلفة عن طبيعة النصوص التي تهدف الى توصيل معنى واضح ومحدد فاشتغالها الأساسي هو الاشتغال على الجماليات سواء جماليات صوتية او جماليات في المعنى المطروح.
وعرض سلمان لنص للشاعر قاسم حداد وتباحث مع الحضور حول جماليات النص والتركيبات اللغوية التي تضمنها النص بالاضافة الى استخدام قاموس كلمات مميزة بالاضافة الى وحدة الموضوع.
وحول الموسيقى في القطع النثرية أفاد سليمان بانه قد يبدو مألوفا القول ان الموسيقى الداخلية هي تأثير تناسق الحروف والجمل والتراكيب والصور والمعاني على النص لكن غالبا يبقى هذا القول غامضا اذ كيف تفعل ذلك؟ كيف تتحد لتفعل ذلك؟ بل كيف نستطيع ان نقيس تاثير كل ذلك في مقطع نثري او شعري واحد؟
متابعا: في القطع النثرية ذات الطبيعة الشعرية (قصيدة نثر، خاطرة، نص مفتوح، القصة القصيرة جدا وغيرها) تؤثر الموسيقى تأثيرا مباشرا في علاقة المتلقي بالنص، بل ان الدافع وراء النص غالبا ما يكون مزيجا بين هذين، اي بين تكوين موسيقى داخلية للتأثير في النفس الكاتبة اولا وفي المتلقي بالتالي واستعداد المتلقي لهذه الموسيقى عبر ثقافته وحساسيته السابقة.
وذكر سلمان ان الموسيقى الداخلية للنصوص ذات الطبيعة الشعرية تشغيل للحواس جميعها، السمع في موسيقى الحروف والمفردات، الرؤية في تخيل الاشكال لدى التصوير، اللمس في تحسس الاشكال، التذوق، الشم، التأمل، والتذكر من دون الاعتماد على الذاكرة البشرية عموما والعرقية اللغوية في الاعتبار الثقافي، لا يمكن صنع موسيقى داخلية.
مشيرا الى ان الموسيقى الداخلية لا تعتمد على مشاعرنا نحن فحسب بل على مشاعر أجدادنا الذين نحتوا المفردات في لغتنا اولا بحسب مشاعرهم تجاه الأشياء، وايضا بحسب مشاعرهم تجاه الحروف التي منها صيغت هذه المفردات، ثم صاغوا لنا أساليب التصوير والتخييل قائلا: وهنا لا بد من التذكير بانه كلما قرأت كتبا مترجما عليك ان تقرأ كذلك كتابا من التراث العربي، لتتشبع بروح التركيب العربي للجملة ولكي لا تغترب اللغة عن نفسها في كتابتك.
واستطرد سلمان قائلا: ان الموسيقى وأدواتها البيانية والبديعة (البلاغية) ليست درسا في الكتابة، او آلياتها بل نظرية للفهم، وطريقة للاشتغال بالفكر ووسيلة من وسائل التفكير نفسها وسبيل من سبل البحث عن المعرفة والمعنى.
وذكر سلمان اننا لسنا معزولين عن اللغة، فاللغة التي نفكر بها تؤثر كثيرا في طريقة تفكيرنا وترتيبنا للأمور وفي نظرتنا للأشياء.
متابعا: ومن الممكن ان ينحرف النص عن بدايته ليذهب في اتجاهات أخرى، لافتا الى انه في كثير من الكتابات قد يكون الكاتب متحكما بدرجة أو بأخرى فيما يكتب لكن في الغالب قد لا يستطيع ان يفعل ذلك طويلا، دائما سيكون ثمة صراع بين الكاتب ولغته هو ليس صراعا حقيقيا انما هو حالة من الرقص بينهما، هو يذهب بها في منطقة وهي تذهب به في منطقة أخرى وذلك هو ما يوسع اللغة وذلك ما يوسع المعاني والأفكار.
وعلى صعيد آخر، قال سلمان: لا تعني فكرة التداعي الحر لفوضى انما تعني انسلال المعاني من المعاني، ترك الذاكرة والخبرات الذاتية تعمل بالتعاون مع اللغة، على التفكير في أمر او امور متعددة ومن هنا يمكن بعبور الغابة المظلمة او المتاهة لكن بحسن العارف والخبير او على الاقل بحس الحذر المتنبه، مشيرا الى ان فكرة التداعي الحر واستعمال اللغة كموجه عشوائي لأفكار عشوائية (فيما يتعلق بالنصوص ذات الطبيعة الشعرية) يخلق نصوصا جديدة او أفكارا مختلفة في النص، مشددا على انه لا يعني بالعشوائية هنا الفوضى بل الحذر المتيقظ الذي يحركنا لدى التحرك في الظلمة او المتاهة.
وأكد سلمان ان اللغة تعتمد على ذاكرتها لدى شعورها بالظلمة والمتاهة، كما يعتمد احدنا على ذاكرته لدى ذلك فهي تفعل خياراتها الاخرى مثل الحذر، الحدس، التوقع والتحسس وغيرها.
وتحدث سلمان عن المجاز والتشبيه والاستعارة والكناية، موضحا ان المجاز كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها او كل كلمة جرت بها ما وقعت له في وضع الواضع الى ما لم توضع له، والخيال هو القدرة على تكوين صورة ذهنية لأشياء غابت عن متناول الحس وليس استعادة فقط بل اعادة لتشكيل المدركات وبناء عالم آخر جديد ومركب يجمع بين المتنافرات والعناصر المتباعدة في علاقات فريدة.
متابعا: أما الصورة فهي كل الاشكال التعبيرية البلاغية التي تتألف في تركيبة عقلية تنتمي في جوهرها الى عالم الفكرة اكثر من انتسابها الى عالم الواقع، مشيرا الى ان التشبيه يعني بيان ان شيئا او اشياء شاركت غيرها في صفة او اكثر بأداة كالكاف او نحوها، ملفوظة او مقدرة تقرب بين المشبه والمشبه به في وجه الشبه.
موضحا ان الاستعارة هي نقل لمعنى من لفظ الى لفظ لمشاركة بينهما مع طي ذكر المنقول اليه، اما الكناية فهل كل لفظة دلت على معنى يجوز حمله على جانب الحقيقة والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز.
وأفاد سلمان بأن التعريض هو اللفظ الدال على الشيء عن طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي.
وانتقل سلمان للحديث حول البديع: السجع والجناس والطباق، موضحا ان البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة، والسجع هو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد والجناس هو كلمة تجانس أخرى في الكلام تشبهها في تأليف حروفه، اما الطباق فهو الجمع بين الشيء وضده في الكلام والمقابلة هي وضع معانٍ يراد التوفيق او المخالفة بين بعضها وبعض.
واقرأ أيضاً: