بعد أن ذكر الله عز وجل عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء. فقال:(إن المتقين) لربهم الذين اتقوا عذابه وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه. (في جنات) أي بساتين امتلأت بالاشجار والانهار والقصور والمنازل المزخرفة (ونعيم) شامل نعيم القلب والروح والبدن، فهم بين المكان والمأكل (وزوجناهم بحور عين) قبل الحور الذين هم حور الجنة وقيل زوجناهم قيل الرفقاء الصالحين، وجعلنا لهم قرينات صالحات وزوجات حسان من الحور العين.
بشارات
وهذه بشارات الله عز وجل لأهل الإيمان، فقال سبحانه بعد أن بين طيب المكان وطيب الخدمة وطيب المجلس والاتكاء. فإذا كانت الأم صالحة ورفيعة الدرجة والأبناء مؤمنين لكن أعمالهم أقل درجة من الأم أو الأب الصالح يرفع الأبناء الى درجة الأمهات وهذا استثمار تقدمينه لأبنائك ان تكوني صالحة، أن تقيمي أمر ربك هذه أعظم هدية ممكن تقديمها إلى الأبناء. يقول ابن كثير: فذلك فضل الآباء على الأبناء في المنازل، وهناك فضل للابناء على الآباء في الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذا فيقول باستغفار ولدك لك فهذا عمل الولد. فليحرص الانسان على مصلحة نفسه ومصلحة من يحب، فخذي من فراق أحبتك طاقة في العبادة لتلتقي في الجنة من جديد في سعادة.
صلاح الآباء بركة على الأبناء
(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم... الآية) والذين آمنوا ألحقنا بهم ذريتهم في منزلتهم في الجنة وإن لم يبلغوا عمل آبائهم لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم فيجمع بينهم على أحسن الوجوه وما نقصناهم شيئا من ثواب اعمالهم. فكل انسان مرهون بعمله لا يحمل ذنب غيره من الناس.
نعيم الجنة
(وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) وزودناهم على ما ذكر من النعيم فواكه ولحوما مما يستطاب ويشتهى، وكل هذه اسماء ولكنها لا تشابه ما في الجنة الا بمسمياتها فإن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. كل ما تشتهين في الجنة يصبح حقيقة يوجده الله عز وجل لك (يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) يتنازعون يعني يتناولون كأسا تدار بينهم فهذه الكأس شبهها الله عز وجل بما يعرف العرب والناس من خمر الدنيا ولكنها ليست كخمر الدنيا قال تعالى لا لغو فيها، في الدنيا إذا سكر الانسان لم يعرف من هو أمامه فيلغو ويأثم قولا ويأثم فعلا لكن شراب الجنة شراب طيب زاك لا لغو فيه ولا تأثيم.
منة عظيمة
(ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) الله اكبر، يعني من يقوم على خدمتك غلمان يعني كأنهم لؤلؤ في نظافتهم، في جمالهم يقومون بخدمتك على أكمل وجه (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) الآن بعد أن هدأت النفوس واستقرت واطمأنت الى الخير وارتاحت وأكلت وشبعت الآن جاء وقت السوالف الصحيح، يخبرنا عز وجل (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) ماذا يقولون يارب؟ (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشركين فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) يقولون لبعض أنا لم أتصور اني سأنجو انا كنت طيلة وقتي في الدنيا اسأل الله ان ينجيني من عذابه فالحمد لله الذي استجاب لي وأنجاني من هذا العذاب، مُقرا بنعمة الله عز وجل عليه فرحا فخورا أتاه الله عز وجل من هذه النعم والمنة الكريمة.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)