اندفع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هائما، واضعا إصبعيه في أذنيه يجوب طرقات المدينة صائحا: يالبكياه، يالبكياه.
أرسل الناس عيونهم إلى عمر رضي الله عنه يتخافتون في دهشة: ما أصاب أمير المؤمنين؟!
قال عمر رضي الله عنه: جاءني بريد من بعض الأمراء يخبرني أن نهرا حال بينهم وبين العبور، ولم يجدوا سفنا، فقال أميرهم: اطلبوا لنا رجلا يعلم غور (عمق) النهر، فأتى بشيخ فقال الشيخ في تردد وخوف: إني أخاف البرد، فأكرهه فلم يلبثه البرد، فجعل ينادى: يا عمراه.. يا عمراه فغرق.
ثم كتب عمر إلى هذا الوالي يأمره بالقدوم عليه، فأقبل، فمكث أياما معرضا عنه، ثم قال: ما فعل الرجل الذي قتلته؟ قال الأمير معتذرا: يا أمير المؤمنين ما تعمدت قتله، لم نجد شيئا نعبر فيه، وأردنا أن نعلم غور الماء، وأراد أن يخبر عمر رضي الله عنه بما أنجز فقال: ففتحنا كذا وكذا وأصبنا كذا وكذا.
فقال عمر رضي الله عنه في حدة: لرجل مسلم أحب إلي من كل شيء جئت به، لولا أن تكون سنة لضربت عنقك، اذهب فأعط أهله ديته، واخرج فلا أراك.