نحن بين يدي سورة الطور، وهي سورة عظيمة، والقرآن كله عظيم، وهي سورة مكية هز الله بها القلوب، ولفت عز وجل بها الانظار والأفهام الى آيات خلقه الشرعية وآياته الكونية، هذا الكتاب الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فمازال التحدي قائما به الى يوم القيامة، وهذه الآيات المبثوثة في الكون وفي أنفسكم كما مر بنا أفلا تبصرون.
أقسم الله بـ«الطور»، وهو الجبل الذي كلم الله عز وجل عليه موسى عليه السلام، وأقسم بالقرآن، وهو الكتاب المسطور، وهو القرآن الكريم، وأقسم بالبيت المعمور، وهو بالسماء يطوف فيه الملائكة دائما، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يطوفون فيه لربهم ثم لا يعودون إليه الى يوم القيامة، (والسقف المرفوع) وهو السماء الدنيا كالسقف عندما ننظر الى السماء نراها كالسقف الذي يظلنا، سقفا مرفوعا، (والبحر المسجور) المملوء، وقيل البحر الذي لا يشرب ماؤه من شدة ملوحته، وقيل البحر الذي تلتهب مياهه نارا فتصبح نارا تسجر فيه يوم القيامة، وقيل ايضا من معاني المسجور انه مكفوف عن الأرض حتى لا يغرق.
مؤكدات
(إن عذاب ربك لواقع) بالكفار، فقد أقسم الله بـ(الطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور)، خمسة مؤكدات وقسم، أين جواب القسم؟ قال عز وجل (إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع) إذا وقع العذاب ليس له من مانع حين وقوعه.
عند نهاية الدنيا
(يوم تمور السماء مورا) يصف لنا الله عز وجل هذا اليوم العظيم، يوم تتحرك السماء فيختل نظامها وتضطرب أجزاؤها، (وتسير الجبال سيرا)، فتزول الجبال عن أماكنها وتسير كسير السحاب وتصبح الجبال قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا.
وصف المكذبين
(فويل يومئذ للمكذبين) فالهلاك في هذا اليوم واقع بالمكذبين، (الذين هم في خوض يلعبون) الذين هم في خوض بالباطل يلعبون به، ويتخذون دينهم هزوا ولعبا، (يوم يدعون الى نار جهنم دعا) يدفعون دفعا شديدا لا كرامة فيه الى جهنم، (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) يقال توبيخا لهم، فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يوصف أمره ولا يبلغ قدره.
استحقاق العذاب
(أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) أي ليس لكم محيد ولا مهرب ولا مناص من هذا العذاب، فزيد على عذابهم الجسدي عذاب نفسي حتى تملكهم الحسرة، نعم (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم) ذوقوا حر هذه النار فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك فلن يخفف عنكم العذاب ولن تخرجوا منها، سواء عليكم صبرتم أم لم تصبروا إنما تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا.
نعيم المتقين
لما ذكر الله عز وجل عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء، فقال (إن المتقين في جنات ونعيم)، نعيم عظيم ينعم به المتقون (فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم)، يتفكهون بما آتاهم الله من النعيم من اصناف الملاذ المختلفة ونحاهم الله من عذاب النار، (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) كلوا طعاما هنيئا واشربوا شرابا سائغا جزاء بما عملتم من اعمال صالحة في الدنيا.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)